اتفاق نووي لحماية إسرائيل
الوفد الأميركي يغادر سفارة عُمان في روما بعد جولة محادثات مع إيران (19/4/2025فرانس برس)
بعد جولتَين من المفاوضات بين واشنطن وطهران بشأن الملف النووي الإيراني، من المشروع التساؤل عن الأهداف النهائية من تلك الجولات التفاوضية، بعد أن رشح من لقاءات وفدَي الجانبَين، في مسقط ثمّ في روما، ما يدعو إلى القلق بشأن نيات الإدارة الأميركية تجاه إيران من منظور استقرار الشرق الأوسط، ومردود السياسات الإقليمية الإيرانية عليه.
قبل بدء ذلك المسار التفاوضي العلني، أصدر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تصريحاتٍ إيجابيةً ومشجّعةً تجاه إيران، وأرفقها بتحذير من البديل العكسي، ولوّح بالعمل العسكري في حال فشل الحوار والدبلوماسية. وكان مفهوماً أن ترامب يضغط على النظام في طهران عبر استمالة الشعب الإيراني، بالتوازي مع الضغط المباشر عبر التهديد باستخدام القوّة العسكرية في حال فشل المفاوضات. غير أن ترامب الذي يتّسم عادةً بالحدّة والحزم واتخاذ قرارات صارمة، ومن خلال أداء فريقه التفاوضي الذي يترأّسه ستيف ويتكوف، رجل العقارات معدوم الصلة بالسياسة وألاعيبها، يبدو حريصاً على لملمة ملفّ إيران واختزاله. لملمته على عجل، لكي يقول للناخب الأميركي وللعالم إنه نجح في إغلاق ملفّ إيران في نهاية العام الأوّل من ولايته، مع اختزال الملف في البرنامج النووي فقط، وذلك لصعوبة الجوانب الأخرى وتعقّدها وتداخلها مع ملفّات شرق أوسطية أخرى يصعب حسمها سريعاً، وربّما مطلقاً.
ليست أهداف ترامب من التفاوض مع إيران مرتبطةً بخطر إيران الإقليمي، ولا بتحرّكاتها المناوئة لاستقرار المنطقة والمتدخّلة في ملفّات داخلية مهمّة وجوهرية لأمن وأمان شعوب عدد من الدول العربية، بل يبدو واضحاً أن ترامب ليس معنياً بمجمل قدرات إيران العسكرية، فضلاً عما يعرفه جيّداً خبراء الاستراتيجية والأمن من حزمة الموارد والإمكانات التي تشكّل "القوّة الشاملة" للدولة، بدليل عدم الالتفات إلى القدرات العسكرية الإيرانية غير النووية، على الرغم من أن تلك القدرات تندرج ضمن المستوى "فوق التقليدي" في تصنيف القوى والقدرات العسكرية للدول، أي تمثّل بالضرورة خطراً محتملاً إذا توفرت لأيّ دولة. وفي الحالة الإيرانية، هي ليست خطراً محتملاً فقط، بل هي تهديد قائم وماثل، بل إن طهران وظّفت هذه القدرات والإمكانات فوق التقليدية بدرجات متفاوتة في مناوشاتها مع إسرائيل وواشنطن في الأشهر القليلة الماضية، سواء بشكل مباشر بإطلاق صواريخ باليستية مباشرة نحو إسرائيل، أو بواسطة أذرعها الإقليمية، خصوصاً جماعة الحوثي التي تستهدف السفن المتّجهة إلى إسرائيل. وبالتبعية، حركة الملاحة في البحر الأحمر.
ورغم ذلك كلّه، تقتصر المفاوضات الجارية بين واشنطن وطهران على الملفّ النووي، وحصراً، بل حتى في داخل هذا الإطار توجد نقاط خلافية مهمّة وجوهرية، بعضها كان قائماً أيضاً على أجندة مفاوضات اتفاق عام 2015. منها مثلاً مخزون إيران من اليورانيوم المخصّب ومستويات تخصيبه، خصوصاً الكمّيات التي خُصّبت وخُزّنت في السنوات التي سبقت بروتوكول التعاون بين إيران والوكالة الذرية للطاقة الذرية.
وبغضّ النظر عما إذا كان الاتفاق المتوقّع بين طهران وواشنطن سيشمل النقاط الخلافية كلّها، بما فيها التي لم تحسم في اتفاق 2015، الواضح أن ما تريد واشنطن من طهران لا يتعلّق سوى بالملفّ النووي، فالمهم عند ترامب، ليس ما يحمله برنامج إيران النووي من تقويض لاستقرار الشرق الأوسط وفرض هيمنة إيرانية عليه، وإنما "نزع الفتيل"، أي إبطال التهديد النووي المحتمل لأمن إسرائيل. فأمن إسرائيل يمثّل الدافع الأساس، والمحرّك الجوهري لتحرّكات واشنطن إزاء إيران، بل في الشرق الأوسط كلّه، هو أولاً وثانياً وثالثاً أمن إسرائيل. وهو ما لا ينكره المسؤولون الأميركيون في الإدارات المتعاقبة، فإذا قدّمت إيران ضمانات بألّا تمثّل قدراتها النووية أيَّ تهديد لإسرائيل؛ فلتهنأ بقدراتها النووية، سلميةً كانت أم غير ذلك.