اتركوا أميركا بحالها رجاءً

اتركوا أميركا بحالها رجاءً

25 يوليو 2021
+ الخط -

أتساءل، بكثير من الحيرة، إن كانت بين السوريين فئة، أو شريحة، أو جماعة، تحب أميركا، أو لا تعادي أميركا. أزعم أنّ نظام حافظ الأسد يستيقظ باكراً، يصلّي الصبح، ويبتهل إلى الله أن ترضى عنه أميركا. مع ذلك، يخفّف بشار الأسد دمه خلال خطاب القَسَم، وينكّت خالطاً الإرهاب بتركيا وأميركا، ويضحك، موحياً إلى محبيه أنّ نكتته اكتملت، فيضحكون حتى تفقع خواصرهم... ومن فرط ما يحكي إعلاميُّو نظام الأسد عن تآمر أميركا، يلتبس الأمر على متابعهم، فيعتقد أنّ البيت الأبيض، والكونغرس، والبنتاغون، ومجلس الشيوخ، والخارجية، وأجهزة المخابرات، تضع التآمر على الصين، وكوريا الشمالية، والمكسيك، وفنزويلا بكفّة، والتآمر على الدولة السورية، المسكينة، المنهارة، في كفّة.

القوميون العرب يكرهون أميركا كراهية تحريمية، وإن كان لكلّ قضية سقف، فإنّ سقف كراهية القوميين العرب أميركا قد أوجده العقيد معمر القذافي حينما أمر خطّاطي الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمى بأن يتركوا أعمالهم كلّها جانباً، ويستنفروا، ويتسلموا شوارع البلاد الليبية بطريقة "عشرة بلدي".. لا يبقون حائطاً صغيراً أو كبيراً إلّا ويكتبون عليه "طز بأميركا"... ومحبّو القذافي يشبهون، إلى أبعد الحدود، أعضاءَ مجلس الشعب السوري، عندما "يشيّش" حبُّ القائد في رؤوسهم، فتنطلق حنجرة أحدهم بهتاف مرتجل، يؤازره عضو آخر بتتمة لهتافه، ويهتف ثالث، ورابع، وبعد وقت قصير، تتناغم الهتافات، ويشارك الجميع بالهتاف الموحّد، وكأنّهم جوقة... في إحدى المرّات، يا مولانا، كان القائد معمر القذافي يخطب، ووقف عنصر "منحبكجي" رفيع المستوى، وقال: طز بأميركا. ردّد الجميع الهتاف. وما إن انتهت الهمروجة وتابع القائد إلقاء خطابه، حتى وقف العنصر العنيد نفسه، وقال: طز مرة تانية. ولأجل تقوية الهتاف، وجعله منتظماً، أخذه إلى ميدان السجع، حتى أصبح: طز مرة تانية، بأميركا وبريطانيا. يومها ضحك الجميع، وبضمنهم القائد المقدام، وأعجبوا بفطنة الهَتّيف السَجّيع أيّما إعجاب.

بعد سنتين من مقتل القائد القذافي، تمكّن بعض أنصاره من استئناف بث قناة "الجماهيرية العظمى" التي توقفت سنة 2011.. وفي سنة 2020 أجرت هذه الفضائية لقاءً مع الفنان السوري دريد لحام، الذي قال إن تآمر الشيطان الأكبر، أميركا، على البلاد العربية بدأ في سورية سنة 1949، حينما بدأت الانقلابات العسكرية، وجاءت بالضابط حسني الزعيم لأجل تنفيذ مهمتين: توقيع هدنة مع إسرائيل، وضرب الحزب القومي السوري. وحينما أنجز الزعيم مهمتيه قتلوه، وجاؤوا بغيره، وقتلوه، ثم غيره وقتلوه، وهكذا... (دريد لحام، بالمناسبة، لا يعتبر ما فعله حافظ الأسد سنة 1970 انقلاباً، وربما كان محقاً، فأميركا، على الرغم من كلّ ما فعله بشعبنا، لم تقتله).

يكره الشيوعيون أميركا جداً، وأذكر أنّ المفكر الشيوعي، هادي العلوي، في أثناء حرب الخليج 1991، وعلى الرغم من عدائه الشديد لنظام صدّام حسين، كان يكتب في صحيفة شيوعية سورية، مخاطباً ولديه في العراق أن يضربا الأميركان بشدّة. وكان صدّام، قبل الحرب، يعادي أميركا، ظاهرياً على الأقل. وفي سنة 2003، حينما شَكَّلت هذه الأخيرة جيشاً عالمياً، وشارك فيه جيش حافظ الأسد المعادي للأميركان، وأُسر صدّام حسين، وأُحيل على المحاكمة، كان يستخدم في مخاطبة القاضي، عندما يَرِدُ ذكر أميركا العبارة التي تُستخدم لدى ذكر إنسان مقرف: أجَلَّك الله.

التيارات الإسلامية المتشدّدة، من دون استثناء، تعادي أميركا، ولا ننسى أنّ أخطر تهمة كانت توجه إلى أيّ إنسان يقع في يد تنظيم "داعش" هي "التواصل مع الأميركان"، والتهمة نفسها وُجهت إلى محمد السلوم وشقيقه سامر، وياسر السليم، في منطقة هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني.

السؤال الآن: ما دام الجميع يكرهون أميركا، فلماذا يلومها نظام الأسد، لأنّها، بزعمه، تدعم الثوار، ويلومها الآخرون لأنّها لم ترسل أساطيلها لتخلصهم من النظام؟ خلاص حبيبي، اتركوها، وما دمتم تكرهونها، فقولوا: "طز بأميركا"، والسلام.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...