ابتهال أبو السعد واتساع خريطة المقاطعة

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
ابتهال أبو السعد في حفل عيد مايكروسوفت الخمسين في واشنطن (4/4/2025 حسابها في X)
استعان الجيش الإسرائيلي بشركات اتصالٍ أميركيةٍ لكي ينفّذ جرائم الإبادة بحقّ المدنيين في قطاع غزّة، منهم أطباء وعائلاتهم. ولكن، يبدو أن من العاملين في هذه الشركات مَن رفض هذا الأمر جملة وتفصيلاً، كما حدث في فيديو انتشر لمهندسة البرمجة المغربية، ابتهال أبو السعد، التي طُردت من شركة مايكروسوفت، وأثارت قضيتها تفاعلات كثيرة، وانتباهاً إلى مقاطعةٍ تتجاوز ما كان سائداً في السابق مع مأكولات وملبوسات، لتمتدّ خريطته إلى العالم الإلكتروني والبرمجي، كما حدث أخيراً أيضاً مع مهندسة البرمجيات الأميركية (من أصول هندية)، فانيا أغراوال، التي غادرتْ "مايكروسوفت" انتصاراً لغزّة، في احتفالية الذكرى الخمسين لتأسيس الشركة، وبحضور ثلاثة رؤساء تنفيذيين، حين قاطعت النقاش احتجاجاً على تورّط الشركة في تزويد لجيش الاحتلال بخدمات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزّة منذ 7 أكتوبر (2023).
حملة الغضب الصامتة التي يمارسها قسم كبير من الشعوب العربية ضدّ الشركات الداعمة للكيان المحتلّ، أصبحت الآن من ضمن الثقافة الشعبية، ممّا يبشر بأن أمر المقاطعة سيطول وسيخترق الزمن، خاصّة مع وجود بدائل محلّية أو عربية صارت تظهر وتنتشر، كنتَ مثلاً ترى في المطاعم الشعبية في مسقط أنواعاً محدّدة وثابتة من المشروبات الغازية، ولكن بعد المقاطعة اختفت هذه المشروبات لتحلّ محلها أخرى عربية أو من دول إسلامية، حلّت محل تلك المشروبات التي ثبت تورّطها في دعم الكيان المحتلّ. يمكن الحديث أيضاً عن فروع مطاعم قد أغلقت في عُمان، ومن تبقّى منها مفتوحاً، صار حاله كالسجين القاتل الذي ينتظر ساعة إعدامه، فيمكن بسهولة ملاحظة خلوّها من الزبائن إلا في حالات متقطّعة جدّاً. بينما كنتَ تجد بصعوبة موقفاً تركن فيه سيارتك أمام تلك المطاعم، يمكنك الآن أن تركنها أمام البوابة مباشرة، ولما تشاء من وقت، بسبب خلو المواقف التي كانت مخصّصة لمن يأتي مبكّراً من زبائنها. في المقابل، ازدهرت محالّ المأكولات المحلّية، فخرجت ماركات أطعمة تزدحم بالزبائن في المساءات. مثلاً، استحدثت امرأة عُمانية وجبة أطلقت عليها "خبز ولبن" (الاسم مأخوذ من عنوان نصّ لكاتب هذه السطور ضمن مقرّرات الصفّ الرابع الابتدائي في عُمان). انتشرت منتجات "خبز ولبن" بصورة واضحة، وكانت ذروتها في شهر رمضان، إذ صار لها ركن في بعض البقالات و"المولات". وإذا كان البديل من المأكل والمشرب يمكنه أن يكون محلّياً أو حتى عربياً، فمن أين سيأتي البديل من البرمجيات وعوالم الميديا، فما زال العرب في هذا الأمر متخلّفين جدّاً؟
بعد ما حدث مع ابتهال أبو السعد، وخاصّة مع الفيديو الذي بثّته عبر "إنستغرام" داعية متابعيها (وغيرهم) إلى مقاطعة شركة مايكروسوفت، انبرت مجموعة من الأقلام تتحدّث عن البدائل، وغالباً ما تكون هذه البدائل أميركية أو غربية أو صينية في أقلّ الأحوال، ولكن لم يعرف عنها دعمها للكيان الصهيوني. ما فعلته ابتهال له ما بعده، فقد كانت تعرف وتتابع بحكم عملها وخبرتها جميع الأفاعيل السوداء للشركة التي تعمل بها، ولكنّها اختارت اللحظة المناسبة لإعلان رفضها القاطع لما يحدث، مضحّية بوظيفتها ومستقبلها مع الشركة. خرجت ابتهال من الشركة، ولكنّها دخلت قلوب الضمائر الحيّة من أوسع الأبواب. كتب لي أحد الأصدقاء (في سياق الطرفة) عن شخصٍ مهووسٍ بالظهور الزائد في "فيسبوك"، قال لي متفكّهاً، إن فلاناً يشعر الآن بالحزن، لأن ابتهال سحبت منه الأضواء، وإن كانت ابتهال لا تقصد من ذلك الشهرة أو جمع متابعين، أو حتى كتابة مقال فيها، ولكن ما هزّها (وكهرب كيانها) هذا الغياب الإنساني التام من شركة اتصال كنّا نظن أنها على جانبٍ ولو محدودٍ من الأخلاق والحياد، فإذا بنا نكتشف بأنها أحد جنود الخفاء للجيش الإسرائيلي الموغل في قتل الأطفال والأبرياء، مساهمة بذلك مباشرة في جرائم الإبادة.
تحيّة كبيرة لابتهال أبو السعد التي وسّعت خريطة المقاطعة لتشمل مناطق جديدة.


كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية