إيلون ماسك.. "الثورة الأميركية"

إيلون ماسك.. "الثورة الأميركية"

30 ابريل 2022
+ الخط -

يشبه إيلون ماسك "أميركا الجديدة"، تلك التي تجدّد نفسها كل عقد أو اثنين، وكأنها مولودة حديثاً بين الأمم. تطلّعه إلى غزو الفضاء، قبل سيطرته على "تويتر"، يحاكي "ثوراتٍ" أميركية دفينة، برزت في هوليوود بشكل خاص، وفي انتشار ثقافة الرأسمالية الاستهلاكية. غزت هذه "الثورات" العالم أسرع من غزو الجيوش الأميركية لعشرات البلاد، بعد النصف الثاني من القرن العشرين. هي نفسها الثورات أخرجت أفراداً ومجموعاتٍ معارضة لها، وكأنه كُتب أن أميركا لا تُحَارَب إلا من أميركا، والباقي كومبارس أو معارضون لمفهوم وجودية هذه الدولة من دون قدرة على مواجهتها، أو أنصار لها يؤيدونها كيفما اتفق، أو متفرّجون يعلمون أن ما باليد حيلة.

أرض الميعاد للغزاة الأوروبيين لم تكن يوماً في خطر، ومساحة الحرية التي صاغها نظامٌ يعدّ نفسه الأمتن في الكوكب، ويرتكز على عملةٍ تسوده، لا يُمكن نقاشها مهما كان سليماً ومنطقياً. إيلون ماسك يجسّد أميركية الثورات التي أخضعت وسائل الإعلام ثم الفضاء الإلكتروني. تريد تسجيل موقف ضد أميركا؟ لن يحصل الأمر إلا عبر منصّةٍ إلكترونية أميركية. تريد شراء معدّات عسكرية لمواجهة أميركا في حرب عصاباتٍ ما؟ ستشتريه بالدولار الأميركي. تريد نبذ النفوذ الأميركي في العالم؟ لن تستخدم وسيلة تواصلٍ لربط شبكات مقاوماتية إلا باستخدام أنظمة أميركية. وهنا لا يمكن القول: "إنني أستخدم سلاحها ضدها"، بل عليك الاقتناع بأن السيطرة الأميركية على الفضاء الإلكتروني لا تسمح لك بتجاوز ما يمكنه أن يهدّد أمنها فعلاً. الأمر لا يتعلق بـ"نظرية مؤامرة" غريبة، بل تحدّث جوليان أسانج وإدوارد سنودن مراراً عن هذه السيطرة.

هل يجعل من ذلك كله "أميركا أمة عظيمة"، أو يدفعك إلى السعي خلف "الحلم الأميركي"؟ طبعاً لا، ليس المطلوب من أي فردٍ أو مجتمع التماهي مع آخرين فقط لأنك تظن أنهم "أفضل منك". لأميركا مساوئ لا تعدّ ولا تُحصى، وسلبيات عانت وتعاني منها دول وشعوب، والعنصرية في الداخل الأميركي أكبر بكثير مما يتخيّل أي إنسان خارج الولايات المتحدة، غير أن "الواقعية السياسية" الأميركية المبنية حصراً على المصالح، بإيحاء من رأسمالية استهلاكية، تكرّس هيمنة هذه البلاد على الكوكب حتى إشعار آخر. إيلون ماسك سيقود قطاراً "ثورياً" جديداً، وسنخضع لشروطه على "تويتر"، كما خضعت "ناسا" لشركته الفضائية الخاصة. أبدى الرجل رغبته في ترك مساحة الحرية على "تويتر"، بل وزيادتها تحت عنوان "حرية التعبير"، قبل التراجع عنها لاحقاً، لأسبابٍ لن تتضح إلا مع الزمن. سينساق كثر خلف "الجديد على تويتر"، وسنرسخ بنقرة انتصار ثورة أميركية جديدة. وبعدها، سنراقب ثوريّاً آخر بعد عقد أو أقل، ينافس إيلون ماسك أو يزاحمه، وسننقسم إلى معسكراتٍ مؤيدة وأخرى معارضة، فيما قطار "الثورات" الأميركية يواصل سيره نحو عالمٍ يتفق كثر على وصفه بـ"الجديد".

المجانين يصنعون العالم والعقلاء يعيشون فيه، هذا واقع تشهده البشرية منذ نشوئها. السؤال الأهم: ما الذي يريده ماسك؟ شخصٌ مثله يظهر عدم رغبته في شيء، ويسعى إلى كسب كل شيء، حتى إنه عبّر مرّة عن رؤيته السياسية بأنه "نصف يميني ونصف يساري"، رغم أنه نشر تغريدة فحواها أنه "بات أقرب إلى اليمين". وكأنه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لكن بنسخة أكثر أميركية. ربما رحلة البحث عن "شيء ما" بالنسبة إلى ماسك قد تبدأ بتحوّله إلى "ناخب" رئيسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2024، لما لـ"تويتر" من تأثير في جماهير الناخبين الشبّان، ولم لا يتوّج رحلته الزاخرة بالضجيج بإعلان ترشّحه للرئاسة الأميركية في عام 2024. لن يكون الأمر مفاجئاً إذا فعلها، فالرئيس السابق دونالد ترامب أتى من العدم السياسي مثله، وجوبه من "الاستابلشمنت" وتحدّث بلغة الريف الأميركي، ونجح في إسقاط خصومه في الحزب الجمهوري ثم الديمقراطي، والبقية للتاريخ.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".