إيران... الأمّة أم القضية؟

12 ابريل 2025

علم إيران وسط طهران (2/4/2025 Getty)

+ الخط -

تبدّل مشهديات عديدة في الشرق الأوسط منذ 7 أكتوبر (2023)، بما فيها توجيه إيران ضربات إلى إسرائيل، غير أن مشهداً واحداً ظلّ ثابتاً، مع تعدّد أطرافه ومسارحه وملفّاته؛ المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية، العلنية حيناً والسرّية أحياناً. في طهران متشدّدون ومحافظون وإصلاحيون، وفي واشنطن جمهوريون وديمقراطيون. الجميع انخرط، برضا المرشد علي خامنئي، في صنوف التفاوض كلّها. ما الذي يعنيه ذلك؟... يعني أن تصوّر وزير الخارجية الأميركي الراحل، هنري كيسنجر (1923 ـ 2023)، بشأن إيران، يبقى النهج الأكثر اعتماداً لدى الدبلوماسية الأميركية. اعتبر كيسنجر أن على إيران أن تختار بين أن تكون أمّةً أو قضيةً، وعلى أساسه التعامل معها. بالنسبة إليه، وحسبما ذكر في عام 2006، إن "دولة إيرانية قوية وعصرية وسلمية يمكن أن تصبح قطباً للاستقرار والتقدّم في المنطقة. وهو الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا إذا حدّد قادة إيران، ما إذا كانوا يمثّلون قضيةً أم أمّةً، وما إذا كانت دوافعهم الأساسية الترويج لأيديولوجية أم التعاون الدولي".

تلخّصت نظرية كيسنجر في استقطاب إيران إلى معسكر حلفاء الولايات المتحدة، على اعتبار أن إيران تبقى معبراً إلزامياً بين شرق آسيا وغربها، واستطراداً على طريق قوافل الحرير القديمة والمُستجِدّة. يعمل الأميركيون في الأساس على هذه النقطة، ضمن سياسة الضغوط القصوى. في المقابل، لم يجد الإيرانيون بديلاً للأميركيين، ولو كانوا أوروبيين. يكفي إبرام طهران، بعد توقيع الاتفاق النووي في 2015 وإلغاء العقوبات الدولية المفروضة عليها، صفقة لشراء 80 طائرة من طراز بوينغ، فضلاً عن إعرابها عن نيتها شراء 114 طائرة إيرباص في عام 2016. صحيح أن العقوبات التي أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرضها على إيران، بدءاً من انسحابه من الاتفاق النووي في عام 2018، أطاحت نمواً اقتصادياً في طهران، إلا أن الإيرانيين أدركوا أيضاً أن القدرات المحدودة لروسيا والصين، المفترض أنهما الحليفتان الأساسيتان لإيران، لم تتمكّن من الحلول مكان الأميركيين. ألم يتحدّث الإيرانيون أخيراً عن فتح أسواقهم للشركات الأميركية، بمجرّد إتمام اتفاق جديد بين البلدَين؟

إيران الساعية عملياً للحصول على اتفاق جديد مع الولايات المتحدة، لن ترفض فكرة رفع العقوبات عنها مقابل عودتها إلى خلف جبال زاغروس، والتخلّي عن ساحات العراق وسورية ولبنان واليمن، لكن بشرط عدم سعي الأميركيين إلى إسقاط نظامها. هذا فقط، في حال قرّرت إيران أن تكون أمّةً لا قضية. وحتى في هذه الحالة، فإن إعادة ترتيب أولويات الأمّة بمعزلٍ عن قضية بعنوان "تصدير الثورة"، سيستولد إشكاليات طبيعية مع أنصارها في المشرق العربي. التمسّك بالأمة يعني التخلّي عن القضية. أمّا في حال قرّر الإيرانيون مواصلة ما دأبوا على فعله منذ 1979، بعد الثورة، فإن القضية ستتحوّل مشكلةً كبيرةً تهدّد النظام الإيراني بوجوده في حدّ ذاته، للمرة الأولى منذ 46 عاماً. ذلك، لأن مثل هذه الوضعية في الاختيار ستُفضي إلى أزمة عميقة داخلياً، تتحوّل معها الثورة الخضراء في 2009، ومقتل الشابة مهسا أميني في 2022، نقطتين في بحر واسع من التحوّلات داخل إيران.

يراقب الجمهور الإيراني ونظامه ما جرى في سورية، وما يجري في لبنان، وما يحصل في اليمن. المسألة ليست متعلّقةً بالحقّ والظلم، بل بأن موسم التمدّد الإيراني في الشرق الأوسط بدأ بالأفول، وطهران ستختار طريقة تفاعلها مع هذه التبدّلات. الأمر مؤكد، وهو ما يجب على طهران إدراكه، أن ترامب لن يماطل ولن يترك الأمور مفتوحةً إلى ما لا نهاية، أو حتى إلى نهاية عهده في 2029. يكفي النظر إلى الأسبوع الأخير، وما فعلته الرسوم الجمركية التي فرضها، اقتصادياً وسياسياً. الإيرانيون يعلمون أن أمامهم أيّاماً لحسم أيّ "لا" سيعتمدون، إمّا لا للأمّة أو لا للقضية.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".