إنها مجرّد مباراة يا سادة!

01 ابريل 2025

من مباراة العراق وفلسطين ضمن تصفيات كأس العالم 2026 في استاد عمّان (25/3/2025 Getty)

+ الخط -

منذ المباراة بين منتخبي العراق وفلسطين، في 25 الشهر الماضي (مارس/ آذار)، ضمن تصفيات كأس العالم لكرة القدم 2026، في عمّان، تستمرّ في مواقع التواصل الاجتماعي العراقية تداعيات ما وُصف في وقتها بأنها هتافات مسيئة للعراق التي أطلقها جمهور فلسطيني وأردني في الملعب. خلال ذلك، ظهرت في مواقع التواصل منشوراتٌ من أردنيين، بل حتى مقاطع مصوّرة من قطاع غزّة، عبّر فيها فلسطينيون عن محبّتهم العراق وتقديرهم له. وجرت محاولات لتطويق الأزمة، كانت ذروتها اتصال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بنظيره العراقي فؤاد حسين، مؤكّداً أن تلك المقاطع التي انتشرت ليست حقيقيّةً، وأن الأردن حريصٌ على أواصر العلاقة التاريخية بين البلدَين.
في الطرف الآخر، أكّدت "التقنية من أجل السلام"، وهي حساب في مواقع التواصل مشهور في العراق بتتبع الفيديوهات المزيّفة، صحّة الفيديو المسيء، وتعامل عراقيون كثيرون على هذا الأساس، وطالبوا بعقوباتٍ على اتحاد الكرة الأردني، وإقامة أيّ مباريات مستقبلية في بلد ثالث أو من دون جمهور.
في كلّ الأحوال، كانت هذه الأزمة فرصةً جيّدةً للأطراف التي تؤيّد عزلة العراق عن العالم العربي، لكيل الاتهامات للأردن، واستدعاء قضايا أخرى لا علاقة لها بكرة القدم، وأديرت حملة لتشويه صورة الأردن والمجتمع الأردني في "فيسبوك"، وردّ عليهم مدوّنون أردنيون بالتذكير بإساءات للجمهور العراقي للمنتخب الأردني في مباراة سابقة في البصرة، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي (2024).
أكثر الادعاءات انتشاراً كانت أن العراق يزوّد الأردن بالنفط مجّاناً. ولم يرغب كثيرون ممّن ردّد هذا الادعاء معرفة الحقيقة، أن العراق يمنح النفط للأردن بسعر تفضيلي (أقلّ بحوالي 16 دولارا من السعر العالمي الرسمي)، وليس بالمجّان. وأن جزءاً من فارق السعر هو لقاء تحمّل الأردن تكاليف نقل هذا النفط. بالاضافة الى تخفيض (أو إلغاء) الأردن الرسوم على صادرات العراق إلى الأردن. وما سوى ذلك لا توجد أي تفضيلات، بل هناك شراكة متكافئة، ويستفيد العراق من ميناء العقبة والتبادل التجاري. والأردن محطّة مالية مهمّة (بسبب استقرار البلد) للمصارف العراقية، ويستضيف جاليةً عراقية كبيرة. بالمجمل، لا منطق في تخريب العلاقة مع بلدٍ جار، في منطقة مشتعلةٍ وساخنة، يحتاج فيها أيّ بلد إلى حلفاء وأصدقاء أكثر من تأجيج العداوات.
المفارقة الكبرى أن هناك أطرافاً وجّهت كيل الانتقاد والاتهام الجماعي إلى الفلسطينيين كلّهم (حتَّى الموجودين خارج مدرّجات المباراة، ولا علاقة لهم بالمباراة أصلاً)، وتبخّرت فجأة أجواء التعاطف مع غزّة التي حوّلها هؤلاء، فيما سبق، مسطرةً أخلاقيةُ يستعملونها لتصفية حساباتهم السياسية داخل الساحة العراقية خلال أكثر من عام مضى. ورأينا أشخاصاً كانوا ينادون بإرسال متطوّعين للقتال مع الفلسطينيين ضدّ العدو الاسرائيلي، يستعيدون فجأة سرديات اتهامية قديمة من عقدَين، عن وجود فلسطينيين بين الانتحاريين الذين كانوا يستهدفون شوارع العراق وأسواقه، بين 2005 و2007، أو أن فلسطينيين أقاموا مجالس عزاء للرئيس السابق صدّام حسين بعد إعدامه في 30 ديسمبر/ كانون الثاني 2006. غابت فجأة المسؤولية الفردية، وحضر الاتهام الجماعي لشعب كامل.
تتسّق هذه المواقف تماماً مع النزعة العميقة عند هذا الطرف بدفع العراق إلى العزلة الإقليمية، والنظرة بارتياب إلى المحيط العربي، بناءً على متبنّيات سياسية وطائفية. برأي كاتب هذه السطور، ربّما تكون الفيديوهات مسيئةً حقّاً، وعلى الأطراف الرسمية في البلدَين التعامل مع المشكلة، لا أن تُستعمَل لتأجيج أزماتٍ أكبر، فما جرى مباراة كرة قدم ليس إلا، وتبقى هذه المباريات فضاءً معتاداً للانفعالات المنفلتة، والإساءات، وربّما حتى للحوادث المؤسفة. ولا ينبغي النظر إليها إلا ضمن هذه الحدود؛ فهذه أعراف اللعبة وأجواؤها، حتى في المباريات الأوروبية. أمّا المتصيّدون في الماء العكر، فيجب على السلطات الرسمية في البلدين التعامل معهم قانونياً، ومنع التحريض وإثارة الكراهيات التي لا موجب لها.