إعلان دستوري يكفل الحريات

16 مارس 2025

أحمد الشرع يوقّع الإعلان الدستوري في دمشق (13/3/2025 الأناضول)

+ الخط -

كان إنجاز الإعلان الدستوري في سورية سريعاً، إذا ما قيست المسافة الزمنية بين إعلان أعضاء اللجنة وتقديم النسخة المسودة إلى الرئيس أحمد الشرع، فلم يستغرق الأمر أكثر من أيام معدودة، وقد تشكّلت اللجنة من قانونيين وقضاة. ورغم أن هذا الاستحقاق كان من الممكن أن يأتي قبل هذا الموعد، ولا سيما أن الدستور هو الورقة الحقوقية الأساسية لهيكل الدولة ووجهها السياسي، وطريقة تعاطي أجهزتها السلطوية وتشكيلها، فقد كان يمكن تفهم الظروف التي رافقت دخول الفصائل إلى دمشق ودقة الوضع الأمني الذي ما زال غير مستقرّ، ما تسبب في تأخيرها، فقد انهمكت الأجهزة الجديدة في تجميع السلاح وإحلال الأمن وتحييد بعض الخلايا هنا وهناك، والبدء بتنظيم الجيش الجديد، بعد حلّ الفصائل. وكان عليها أن تخمد حركة كبيرة اندلعت في الساحل، قادها ضباط كبار وبشبهة تعاون خارجي، وجاء إعلان السيطرة على هذا التحرّك، وضبط الانفلات الأمني مؤشّراً على النية الجادّة في تنظيم القوات الجديدة على شكل مؤسسة حقيقية.

قُدم الإعلان إلى الرئيس الذي صدّق عليه، فأصبح ساري المفعول، وصار لسورية دستور جديد، أحد أهدافه محو آثار الستين عاماً الماضية من حكم "البعث" الذي حكم من دون دستور في البداية، ثم جاء بنصوص ممسوخة سمّيت دستوراً. وفيها تكرّس "البعث" ومنظّماته وشخصية القائد الفذ، وكل البروباغندا السياسية والاجتماعية التي أحاطت به، وكان شكل الدستور السابق ومضمونه سبباً أساسياً في ثورة السوريين التي جاء إلغاء المادّة الثامنة، التي تقول بقيادة حزب البعث للدولة والمجتمع، في أوائل مطالبها، إلى جانب إطلاق الحرّيات التي كانت مقيّدة دستورياً. استجاب حينها بشار الأسد شكلياً بعد مرور عام، وغيّر دستور 1973، مع جعل التغيير مجرّد حبر وورق، فأبعد اسم حزب البعث عن الدستور، ولكن الحزب حينها كان قد تحوّل من الناحية العملية إلى جثّة هامدة، يرتع كبار كرادلته في المقرّات الفسيحة، ويتقاضون تعويضات كبيرة من دون أي عمل حقيقي، فعائلة الأسد تجاوزت الحزب والطائفة، وتسيّدت الموقف من دون اعتبار للدستور الذي بقي وجوده مجرّد سد لذرائع الضغوط الدولية التي تعاظمت على بشار بعد الثورة.

بدا واضحاً من صيغة الإعلان الدستوري الجديد أن القانونيين الذين وضعوه حرصاء على تجاوز كل الماضي، وكتابة وثيقة قانونية قوية تمكّن الدولة السورية من استعادة نفسها، وبناء ذاتها السياسية خلال السنوات الخمس المقبلة، وهي الفترة الانتقالية المحدّدة، والاستعداد للانطلاق إلى المرحلة الثانية. قسّم الدستور السلطات إلى تشريع وتنفيذ وقضاء، ووضع حدوداً بينها. وللأسباب الأمنية ووضع الشارع اليوم، أنيط بالرئيس الشرع، ولجنة مختصة، تعيين المجلس التشريعي ومجلس القضاء، مع التشديد على استقلال كل سلطة وإحداث اللازم لها لممارسة عملها من دون ضغوط. وأورد الدستور احترام أفراد وملكياتهم وآرائهم، وأفسح المجال لهم للتعبير عنها في أي وقت، وبأي صورة ممكنة. وأفرد للمرأة فقرة واضحة، وشدّد على حقوقها في كل المجالات، ويمكن أن نجد فيه المواطن الفرد مصوناً يمارس ما يرغب ضمن القوانين المرعية من دون ضغط وإكراه.

حدّد الدستور نقطة مطلبية، فوضع فقرة إدانة ومعاقبة كل من يُنكر فترة الإبادة الأسدية، أو التهوين منها، وهذه الفقرة أتت على ما يبدو جزءاً مهماً في تحقيق العدالة، فلا يجوز إنكار سياسات الأسد القمعية والإبادة التي لحقت بالشعب السوري، وقد شهدنا بالفعل من يجرؤ على التقليل منها، حيث لجأت فلول النظام إلى هذه الطريقة لتقديم نفسها من جديد، وإذا قرنت هذه الفقرة بفقرة البدء بتشكيل لجنة لإقامة العدالة الانتقالية، يكون جزءٌ من الحقّ السوري المهدور قد أعيد ثانية، بعد سنين من الحرمان والتشرّد، وستتمكّن اللجنة من بناء القضايا وتجميع الشهود والتقاضي في المحاكم، بعد القبض على كل متورّطٍ أو متعاطفٍ مع فترة الأسد الإجرامية. ... الوثيقة الوطنية الجديدة خطوة تسير في اتجاه تأكيد العدالة والحرية، بعد الالتزام بتنفيذ بنودها.