"إطفائي" الحروب يشعلها

06 يونيو 2025
+ الخط -

روّج الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، نفسه خلال حملته الانتخابية أنه آت لإنهاء الحروب المشتعلة في أكثر من مكان في العالم، سيما أوكرانيا وبدرجة أقل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، منتقداً عجز الرئيس السابق جو بايدن عن حسم هذه الملفات. ... لكن دور "الإطفائي" الذي حاول ترامب لعبه انقلب إلى نقيضه، ليصبح مساهماً في تأجيج أكثر من حربٍ ويمهّد لإشعال أخريات. سعى، في بداية ولايته، إلى تحقيق وعوده وضغط على الرئيس الأوكراني، زيلينسكي، وعمد إلى مغازلة الرئيس الروسي، بوتين، لكن الأمور تعقدت بفعل كثير من الحسابات السياسية والعسكرية للأطراف كافة، وفي مقدّمتها الطرف الأوروبي.

اليوم، تعود الحرب الأوكرانية إلى ضراوة أيامها الأولى، رغم المفاوضات القائمة بين موسكو وكييف في إسطنبول. وأكثر من ذلك، باتت مهدّدة بالتوسّع إلى مناطق أخرى في أوروبا. وعلى هذا الأساس، بدأت دول أوروبية عديدة في تعزيز ترسانتها العسكرية العادية والنووية، تحسباً لأي تصعيد للحرب. والتصعيد بات متوقعاً بعد الهجمات غير المسبوقة التي شنتها القوات الأوكرانية على روسيا، بداية من قصف موسكو بالصواريخ بعيدة المدى، وهو أمر يتعدّى الخطوط الحمر التي وضعتها روسيا، وما كان ليحدث من دون موافقة أميركية وأوروبية، وصولاً إلى هجوم المسيّرات على القاعدة الجوية الروسية وتدمير مجموعة من المقاتلات، وهو ما اعتبر أكبر خسائر روسية منذ بدء الحرب الأوكرانية.

وهكذا، فشلت مهمة إنهاء الحرب الأوكرانية، والتي وضعها ترامب ضمن أولوياته، وجاءت بنتائج معاكسة، حتى الرئيس الأميركي نفسه دخل في سجال تأجيجها عبر تصريحاتٍ وصف فيها نظيره الروسي بالمجنون والقاتل، ليغلق الباب، ولو مؤقتاً، في وجه فرصة اللقاء مع بوتين، والتي كان من الممكن أن تؤدي إلى فرصة لوقف الحرب.

وفي ما يخصّ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، أعلن ترامب في أكثر من مناسبة نيته الوصول إلى وقف لإطلاق النار، ليس حرصاً على حياة سكّان قطاع غزّة الذين يقتلون يومياً بالنيران الإسرائيلية، بل لإعادة المحتجزين الإسرائيليين إلى عائلاتهم. نجح ترامب في المرحلة الأولى في الوصول إلى هدنة وتبادل بعض المحتجزين، لكن العدوان ما لبث أن عاد أشدّ ضراوة ووحشية. حتى الإيحاء الأميركي اليوم بالسعي للوصول إلى وقف مؤقت لإطلاق النار تدحضه الشروط الموضوعة في المقترحات المقدّمة لحركة حماس، والتي تتماهى بشكل كامل مع الشروط الإسرائيلية.

كذلك، ما يحكى عن خلافات بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنتيامين نتنياهو، وهو ليس صحيحاً، لا يعني وقف الدعم الأميركي لإسرائيل. كان الفيتو الأميركي حاضراً الليلة قبل الماضية في مجلس الأمن، لمنع تبنّي قرار يدعو إلى وقف العدوان، كما أن الجسر الجوي لا يزال قائماً لإيصال المساعدات العسكرية إلى إسرائيل، وقد وصلت طائرة قبل أيام قليلة، ما يعني أن إدارة ترامب ماضية في تغذية آلة الحرب الإسرائيلية لإطالة أمد العدوان.

ليس الملف النووي الإيراني بعيداً أيضاً عن حرائق ترامب، فرغم المفاوضات القائمة حالياً بين الولايات المتحدة وإيران، فإن الرئيس الأميركي لا يتوقف عن التهديد بعواقب وخيمة في حال فشلت المحادثات. والمتوقع اليوم أن هذه المفاوضات ستفشل، بعد الرفض الإيراني المطلق المقترح الأميركي، والذي يتضمّن توقف طهران عن تخصيب اليورانيوم، وهو ما لا يمكن أن تقبل به طهران في حال الإصرار الأميركي عليه. وقد يفتح هذا الانهيار المرتقب للمفاوضات باب التصعيد مجدّداً بين إدارة ترامب وإيران، وسيعيد الأجواء الحربية التي كانت حاضرة في الأيام الأولى لولايته، حين هدّد بتوجيه ضرباتٍ قوية جداً لإيران. ... وهكذا، ازدادت ملفات الحروب التي استلمها ترامب ووعد بإغلاقها استعاراً، وها هو في الطريق لإشعال حرب جديدة.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".