إسماعيل الشمالي كاتباً فلسطينياً في سجن سوري

إسماعيل الشمالي كاتباً فلسطينياً وقتيلاً في سجن سوري

31 ديسمبر 2020
+ الخط -

تكتب الفيلسوفة الألمانية، حنا أرندت، في كتابها "الأنظمة التوتاليتارية" أن "فقدان الشعور الإنساني الذي يحمل في طيّاته الخضوع والذلّ كان هدفًا أساسيًّا لسياسة التعذيب التي تمارسها الأنظمة الشمولية، التي كانت تبني وجودها على محو إحساس الإنسان بإنسانيته". ويسأل الروائي السوري، مصطفى خليفة، في روايته "القوقعة": "تُرى كم واحدا منهم يعرف ما الذي يجري في السجون، أهذا هو الشعب الذي يتكلم عنه السياسيون؟ ولكن هل من المعقول أن هذا الشعب العظيم لا يعرف؟". 

الحقيقية أن هذا الشعب، وبفضل الثورة التكنولوجية والإعلامية، وبفضل عصر الفضائيات، وبفضل روايات السير الذاتية، قد عرف أخيرا أي بنيةٍ هي بنية النظام الذي يحكمه، وكيف تم تحويل الجيش السوري من مؤسّسة عسكرية مستقلة إلى مؤسسة عسكرية أمنية و "جيش عقائدي"، وظيفتها الحقيقية حماية بقاء الرئيس في السلطة، وكيف أنه لا يمكن إصلاح هذا النظام، ولا المراهنة عليه، مثلما عرف هذا الشعب أيضا كيف تاجر النظام السوري الديكتاتوري، خمسين عاما، بقضية فلسطين وبالشعب الفلسطيني كله.

خرج هذا الشعب، في مارس/آذار من عام 2011، لأنه عرف، وخرج معه الفلسطينيون السوريون الذين كشفوا مدى نذالة وعار ما اقترفه النظام السوري في مخيمات لبنان، ومع أي فلسطيني سكن سورية، وكان له أي رأي مخالف لمنهج البعث الديكتاتوري.

النظام الذي يتشدّق بدعمه للقضية الفلسطينية، سجن كاتبا فلسطينيا لاجئا 26 عاما، لمجرّد أنه حاول أن يقول وجهة نظر سياسية تنهض بسورية والعراق

اليوم تمتلئ صفحات وسائل التواصل الاجتماعي بصورة الشهيد تحت التعذيب، الكاتب والروائي الفلسطيني، إسماعيل الشمالي، الذي كانت المخابرات السورية ذائعة الصيت به عام 1995، وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة، وذلك بسبب تأليفه كتابًا يتحدث عن صدام حسين وحافظ الأسد، وتهمة حيازته وثائق تضر بأمن الدولة. وبقتله يرتفع عدد الشهداء الفلسطينيين السوريين في سجون نظام الأسد إلى 699 شهيدا قضوا تحت التعذيب منذ اندلاع الثورة السورية، وفقا لمصادر حقوقية.

هذا هو النظام الذي يتشدّق بدعمه للقضية الفلسطينية، سجن كاتبا فلسطينيا لاجئا 26 عاما، لمجرّد أنه حاول أن يقول وجهة نظر سياسية تنهض بسورية والعراق، وتحذّر من مخاطر تشكل الدولة الديكتاتورية الأمنية المبنية على الحكم المخابراتي، ومن انهيار المجتمع والإنسان فيها.

حكمت على الشمالي محكمة أمن الدولة العليا السورية بالسجن مدى الحياة بتهمة "حيازة أوراق ومعلومات سرّية يجب أن تبقى طي الكتمان حرصًا على سلامة الدولة".

كان إسماعيل أحمد إبراهيم الشمالي، المولود في خان يونس عام 1953، يسكن في محافظة درعا، ويُعد أحد أقدم السجناء السياسيين في السجون السورية، حيث حكمت عليه محكمة أمن الدولة العليا السورية بالسجن مدى الحياة بتهمة "حيازة أوراق ومعلومات سرّية يجب أن تبقى طي الكتمان حرصًا على سلامة الدولة". وكما كل سجناء الرأي في سورية، زار الشمالي أغلب سجون الموت السوري، حيث قضى 21 عامًا في أفرع دمشق الأمنية، ثم خمس سنوات في سجن درعا المركزي، وتنقل بين سجني صيدنايا وعدرا ،حتى نُقل أخيرا إلى سجن السويداء المركزي. ومثل كل معتقلي الرأي في سورية، تعرض الكاتب الفلسطيني للتعذيب بشكل كبير، وخصوصا في سجن صيدنايا العسكري سيئ الصيت، حيث قضى خمسة أعوام في زنزانة انفرادية، ومنعت عنه الزيارات عشرة أعوام. ومع بداية انفجار الثورة السورية، ضاقت السجون السورية بالعدد الهائل من المعتقلين الجدد، فنقل النظام، في يونيو/ حزيران 2011، إسماعيل الشمالي، إلى سجن عدرا في ريف دمشق، وبعدها تم نقله إلى سجن السويداء المركزي الذي فارق الحياة فيه ( 24 ديسمبر/ كانون الأول 2020)، بسبب نوبةٍ قلبية حسب رواية النظام، ولكنَّ أهله أكّدوا أنه تُوفي بسبب إصابته بفيروس كورونا. وذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أنه تُوفي بسبب الإهمال الطبي، ولديها معلومات تؤكّد ذلك. 

علاقة تضادّية بين الكلمة والسلطة السورية، حيث يخاف روائيون في داخل سورية من نشر رواياتهم، ما يجعلهم، مجبرين، يختارون الصمت.

شُيع جثمان إسماعيل الشمالي عن عمر يناهز 67 عاما، قضى منها 26 عاما في زنازين القهر السورية، دفنه ذووه الذين انتظروه طوال هذه المدة في مدينة طفس غرب مدينة درعا، ولم تتمكن كتبه السياسية والأدبية ومذكراته السياسية التي فضحت جرائم حافظ الأسد ومجازره تجاه السوريين، في ثمانينيات القرن الماضي، من أن ترى الضوء، فلم يتمكّن من نشرها بسبب اعتقاله، ولم يجرؤ أحد على ذلك. وهذا يدل على العلاقة التضادّية بين الكلمة والسلطة السورية، ويخاف روائيون في داخل سورية من نشر رواياتهم، ما يجعلهم، مجبرين، يختارون الصمت.

كانت آخر كلمات الشمالي لنا جميعا، حسبما نقلها أحد السجناء السابقين معه في سجن عدرا، "لا تضعفوا، أنتم على حق، الكرامة غالية وأنتم خرجتم للمطالبة بالحرية"، ولعلنا، جميعا، نصغي لكلمات الفلسطيني سيد أسيد الأرض الذي قتله الأسد باسم المقاومة والممانعة.

E928EA8B-DC47-4385-9F66-8409C3A306CB
E928EA8B-DC47-4385-9F66-8409C3A306CB
ميسون شقير

كاتبة وإعلامية سورية

ميسون شقير