إسلامي "متصالح" نجماً للانتخابات الإسرائيلية

إسلامي "متصالح" نجماً للانتخابات الإسرائيلية

27 مارس 2021

منصور عباس في دعاء بعد الصلاة في منزله في قرية المغار شمال فلسطين (26/3/2021/فرانس برس)

+ الخط -

خيّب منصور عباس، وهو برلماني وطبيب أسنان عربي في إسرائيل، التوقعات مرتين في غضون أيام. حين توقعت استطلاعات الرأي عجز "القائمة العربية الموحدة" التي يقودها عن بلوغ نسبة الحسم (3,25%) في الانتخابات الإسرائيلية التي جرت الثلاثاء، 23 مارس/ آذار الجاري. ثم لدى استخلاص نتائج عينات من الناخبين في يوم الاقتراع، فما إن بزغ فجر اليوم التالي الأربعاء، حتى كان عباس (47 عاما) يحصد لقائمته أربعة مقاعد في الكنيست الرابعة والعشرين، متأخرا بمقعدين عن القائمة المشتركة التي تضم ثلاثة أحزاب عربية، وانفصل عنها قبل أسابيع من حلول الاستحقاق الانتخابي، وتبعت ذلك الانفصال حملاتٌ مريرةٌ بين الجانبين. وفي أجواء هذه الحملات، لم يتمكّن عباس من المشاركة في تظاهرةٍ حاشدةٍ في مدينة أم الفحم، احتجاجا على تفشّي الجريمة في المجتمع العربي، وعلى تواطؤ الشرطة الإسرائيلية، إذ رفض المتظاهرون الغاضبون مشاركته، ودفعوه إلى المغادرة متوخّيا سلامته.

ومنذ الأربعاء، بات عباس وقائمته محوراً لاهتمام أقطاب اليمين الإسرائيلي، إذ يسعى حزب "هناك مستقبل" الذي نال 18 مقعدا برئاسة الإعلامي السابق، يائير لبيد، إلى إقصاء عباس عن دعم "الليكود" برئاسة بنيامين نتنياهو، وذلك في إطار المنافسة الساخنة بين لبيد ونتنياهو على تزعم اليمين وتشكيل الحكومة. وقد أقر عباس بأنه أجرى اتصالاتٍ مع هذا الحزب. وبينما رفض نتنياهو تشكيل حكومةٍ تعتمد على أصوات النواب العرب، فإن طرفا يمينيا آخر، هو حزب "أمل جديد" بقيادة المنشق عن "الليكود"، جدعون ساعر، ما زال متخوفا بأن يدعم عباس نتنياهو "من الخارج" باتفاق ضمني، لا يسمح لعباس وقائمته بالمشاركة في الحكومة. وقد جرى تداول مصطلح بيضة القبان، لوصف وزن "القائمة العربية الموحدة". أما القائمة العربية المشتركة، بقيادة أيمن عودة، فترفض مُسبقا دعم أية حكومة يمينية.

شكّلت نتائج الانتخابات الإسرائيلية صدمة في أوساط أحزاب القائمة المشتركة وجمهورها

ومع أن منصور عباس ليس وجها جديدا في الحياة السياسية لعرب 1948، إذ يترأس الحركة الإسلامية الجنوبية منذ العام 2007، إلا أن نجمه لمع بتمايزه عن الحركة الوطنية، ووقوفه إلى يمينها ونزعته التصالحية مع الدولة العبرية والحركة الصهيونية. وقد أسس عبدالله نمر درويش هذه الحركة في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وتميّزت عن الشق الشمالي، بقيادة الشيخ رائد صلاح، بقبولها الانخراط في المعترك الانتخابي النيابي، خلافاً للطرف الآخر الذي يرفض هذا التوجه على أسس قومية وعقائدية، ويكتفي بالمشاركة في الانتخابات المحلية (البلدية). ويقبع صلاح حاليا وراء القضبان للمرّة الثالثة، لنشاطه لنصرة القدس والمسجد الأقصى. ومع أن الطرفين ينحدران أيديولوجيا من جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن الحركة الجنوبية ذهبت بعيدا، وبأبعد مما كان يؤمن زعيمها، درويش، في الخط البراغماتي الذي يسعى إلى الاندماج والتأثير في الحياة العامة الإسرائيلية، وبغير خصوصية قومية، وهو ما تصفه أوساط الحركة الوطنية بالأسرلة. وتعمل الحركة، بزعامة عباس، على انتزاع مكاسب مدنية، مثل مكافحة الجريمة وتحسين الميزانيات للمدن والبلدات العربية، وتوسيع رقعة البناء، غير أن الرجل وحركته لا ينخرطان في مواجهة التوجهات اليمينية التي تمسّ الأقلية العربية الفلسطينية، مثل قانون يهودية الدولة (قانون القومية) وصفقة القرن، ويُظهرون أقل انشغالا باحتلال الأراضي الفلسطينية منذ العام 1967 والاستيلاء على القدس المحتلة. وقد حيا عباس اتفاقيات التطبيع الساخن لأربع دول عربية مع تل أبيب. واقترح أن يلعب دور وسيط، علما أن اتفاقياتٍ بهذا المستوى، وبهذه الكثافة، لم تكن تحتاج إلى وسيط عربي أو فلسطيني، وذلك مع الاندفاع العربي إلى إبرامها. وقد لوحظ أن الرجل التقى، في العام الماضي، رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، خالد مشعل. وأوضح، في حينه (فبراير/ شباط 2020)، أن اللقاء تم في إطار "مبادرة سلام دينية" من طرفه ومن الحاخام الإسرائيلي والوزير السابق ميخائيل ملكيور (ينسب له قوله إن السلام الديني أفضل من مبادرة السلام العربية ..). ولم يسبق لزعامةٍ دينية إسرائيلية أن أبدت اهتماما بإرساء سلام عربي وفلسطيني/ إسرائيلي، إلا في إطار الاستيلاء على القدس وغالبية الأرض المحتلة، هذا مع استبعاد موقف حركات دينية، مثل ناطوري كارتا، التي لا تشارك في الحياة العامة بسبب عزل السلطات لها. هذا ولم تعرف أي نتيجة لمبادرة السلام المزعومة تلك.

منصور عباس وحركته لا ينخرطان في مواجهة التوجهات اليمينية التي تمسّ الأقلية العربية الفلسطينية

وقد شكّلت نتائج الانتخابات هذه صدمة في أوساط أحزاب القائمة المشتركة وجمهورها (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، التجمع الوطني الديمقراطي، والحركة العربية للتغيير)، وكأنما شاء القدر التعيس أن يكافئ منصور عباس على انشقاقه عن الجسم الرئيسي للحركة الوطنية. وفي واقع الحال، استثمر الرجل لصالحه حالة اليأس والإحباط التي شاعت في أوساط الجمهور العربي نتيجة الانشقاق، ونتيجة موجة التطبيع العربية، والصعوبات الاقتصادية الناجمة عن الإغلاقات المصاحبة لانتشار وباء كورونا، والقلق من تفشّي الجرائم، وحالة الانقسام الفلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد برز الرجل أمام الجمهور باعتباره شخصية واقعية تسعى إلى تحقيق أهداف ملموسة تمس حياة المواطن العربي، ومن ذلك مسألة توفير الأمن الاجتماعي والشخصي من خلالها ترؤسه في الكنيست لجنة مكافحة العنف، بعد تفشّي موجة الجرائم منذ أزيد من عامين بصورة مثيرة إلى أقصى درجات الريبة، غير أن ما تردّد عن الرجل امتداحه الشرطة الإسرائيلية "التي تقوم بواجبها"، كما نقل عنه في جلسةٍ شارك فيها نتنياهو عبر تقنية الزوم. وتضاف إلى ما تقدم ادعاءاته تمثيل المجتمع المحافظ، خلافا لبقية الأحزاب، غير أن محافظة الرجل تقوده إلى العمل والتنسيق مع قيادات دينية صهيونية (وفق مبادرة السلام الدينية). ويُنسب إليه قوله إن هناك قاسما مشتركا يجمعه مع التيارات الدينية اليهودية، وهو الحرص على تماسك الأسرة والأخلاق الحميدة. أما الأهداف الوطنية الأساسية فلم تجمعه إلا على مضض، ومؤقتاً، مع ممثلي أبناء شعبه من الأحزاب العربية. وعمليا، أدّى انفصاله إلى تراجع عدد النواب العرب من 15 نائبا إلى 10 نواب فقط. لقد فاز هو وقائمته وخسر شعبه.

ولا يعني ما تقدّم تنزيه أحزاب القائمة المشتركة من مسؤولية الإخفاق المريع، فقد استسلمت هذه الأحزاب، منذ وقت مبكر من الحملة الانتخابية، إلى موجة الإحباط وكأنها قدرٌ لا رادّ له، وكان أداؤها دفاعيا، ولم تبلور أهدافا محدّدة وموجزة في خطابها السياسي، ولم تنفتح على البيئات التقليدية الريفية والبدوية بما يكفي، للتأثير عليها واجتذابها. وكذلك الحال مع الفئات الشابة، وبقية الفئات غير المسيسة. والنتيجة أن نسبة تصويت المجتمع العربي بلغت نحو 53%، بينما بلغت النسبة العامة للتصويت 67%. وواقع الحال الموضوعي كان يُملي أن يندفع العرب الفلسطينيون إلى التصويت لاشتداد حاجتهم إلى ممثلين سياسيين لهم، وبأكثر مما يفعل اليهود الإسرائيليون .. لكن ما حدث هو العكس.