إسرائيل والجائحة .. فقدان "الأمل"

إسرائيل والجائحة .. فقدان "الأمل"

06 يناير 2021
+ الخط -

أزاحت وسائل الإعلام الإسرائيلية، الأسبوع الفائت، نحو هامش الهامش، نتائج بحثٍ جديدٍ أجرته كل من جامعة تل أبيب والكلية الأكاديمية تل حاي [شمال إسرائيل] بشأن ما خلّفته جائحة كورونا، المترافقة مع أزمة حُكم غير مسبوقة، من فقدان للأمل ("هتكفا" بالعبرية، وهو أيضًا اسم النشيد الوطني) و"المشاعر الوطنية" في أوساط السكان الإسرائيليين، وهما مفهومان بذلت العقيدة الصهيونية الكثير من أجل زرعهما، ومن ثمّ تعهدهما بالرعاية مع مسار دولة الاحتلال منذ إقامتها بوساطة تطهير فلسطين عرقيًا، وقبِل هؤلاء السكان، في غالبيتهم الساحقة، بمبادلتهما بقيم أخرى، في مقدمها العدالة الاجتماعية.

أظهر هذا البحث أنه، حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أجاب واحد من كل خمسة إسرائيليين بأن الهجرة من الدولة تُشكّل خيارًا محتملًا من ناحيته. وفحص الباحثون بداية مبلغ رسوخ مُركب "الوطنية" باعتباره أحد مركّبات "المنعة القومية"، عبر سؤال عينة البحث حول مدى الموافقة على الجملة الآتية: "إسرائيل هي بيتي، ولا أنوي مغادرتها". ووفقًا للنتائج، قال نحو واحد من كل خمسة مُستجوبين (18%) إن الهجرة خيار محتمل، في حين أن نسبة الذين تبّنوا القول عينه كانت 13% إبّان الخروج من الإغلاق الشامل الأول، في مايو/ أيار 2020. كما انخفض عدد الذين أكّدوا أنهم لا ينوون الهجرة من 77% في مايو/ أيار إلى 70% في أكتوبر/ تشرين الأول.

في سياق آخر، فحص الباحثون موضوع الأمل الذي يتطرّق إلى تقدير الفرد أو توقعاته بأن تكون الأوضاع على ما يرام في المستقبل. وفي هذا الصدد، تبين أن نحو نصف المستجوبين (47%) أعربوا في أكتوبر/ تشرين الأول عن مستوى منخفض أو منخفض جدًا من الأمل حيال المستقبل، في حين أن نسبتهم كانت أقل من الثلث (32%) في مايو/ أيار. وبينما كانت نسبة الذين أعربوا عن مستوى عالٍ جدًا من الأمل في مايو/ أيار 25% انخفضت نسبة هؤلاء إلى 16% في تشرين الأول/ أكتوبر. 

بموجب ما يقول الباحثون، ثمّة اتجاه انخفاض مستمر في مستوى الأمل، يعبّر عن انعدام توقع مستقبل أفضل، بالتوازي مع هبوط في الروح المعنوية، يجسّد الأوضاع العامة في الوقت الراهن، واستعداد آخذ بالتصاعد للتفكير بالهجرة خيارا مُحتملا في المستقبل. 

من الصعب أن نعرف إلى أين ستؤدّي مثل هذه الاتجاهات في مجتمع دولة الاحتلال. ولكن من الواضح أنه، إلى جانب كونها تستحقّ المتابعة، فهي تكشف عن بعض سيرورات هذا المجتمع في الجانبين، الاقتصادي والاجتماعي، والمرتبطة بالأساس بسياسة الحكومات الإسرائيلية. 

في أول الطريق قبِل السكان، كما أشرنا أعلاه، بمبادلة "المشاعر الوطنية" التي تعني ضمنًا التماهي مع الجرائم التي ارتكبتها الصهيونية، بإجراءات كان من شأنها تأطير ضمانات معيشية ضمن ما عرف باسم دولة الرفاه، ما منح حركة العمل تفوقًا على الحركة التنقيحية التي تبنّت مبدأ التركيز على الأهداف الوطنية والسياسية فقط. ولكن مع أفول دولة الرفاه تدريجيًا، وتبنّي اقتصاد سوق غير مكبوح الجماح، فإن أول ما أظهرته هذه الأزمة جليّا هو انعدام العدالة الاجتماعية، كما يمكن أن نستدل من تظاهرات الاحتجاج ضد استمرار حكم بنيامين نتنياهو. ومن المُلاحظ مثلًا أن قلة من المستوطنين في الأراضي المحتلة منذ 1967 ومن اليهود الأرثوذكس تجدهم في أوساط المتظاهرين، فأولئك ما زالوا يتغذّون من صنبور الدولة، من دون أي صلة بمساهمتهم الاقتصادية.

وعلى الرغم من التصريحات الاجتماعية لجميع الأحزاب الفئوية، فإن من يعرف جيدًا مواقفها، يدرك أن المصلحة الأساس لكل واحد منها لا تتمثل في دفع قضية الرفاه عمومًا وإنما في دفع رفاهية القطاع أو الفئة التي تمثلها هذه الأحزاب. لذا فإن التوقع بشأن إمكان التغيير في مجال الرفاه قاتم جدًا. وعمليًا، تعود جميع الأحزاب، وتؤكّد على الحاجة إلى الرأفة التي تعني تقديم صدقات إلى محتاجين مختلفين، لا تحسين وضع نظام الرفاه برمته.