إسرائيل أمانة العرب

إسرائيل أمانة العرب

25 يونيو 2022
+ الخط -

تستحقّ إسرائيل، في الخامس عشر من الشهر المقبل (يوليو/ تموز)، احتفالًا مدويًّا بمناسبة وصولها إلى "سن البلوغ"، فقد آن موعد استقلالها عن والديها (بريطانيا وأميركا)، واندماجها في عالم جديد سُمّي من أجلها فقط "الشرق الأوسط". وبهذه المناسبة، يزمع "الأب" الأرمل جو بايدن (بعد وفاة والدة إسرائيل الإمبراطورية البريطانية) زيارة المنطقة المخصّصة لابنته (الشرق الأوسط) في الموعد المذكور، للإعلان عن نبأ "البلوغ" رسميًّا، معتمرًا قبعة "الأنكل سام" الموشّاة بالخطوط الحمراء والأنجم، والمعطف الأزرق بذيله الطويل، ومصطحبًا معه المفرقعات الملونة لإضفاء مزيدٍ من البهجة على المناسبة المهولة.

أما الترتيبات على الجهة المقابلة، فتتواصل على نحو محموم، ليكون كل شيء جاهزًا في موعده، زعماء عرب يتزاورون ويعقدون قممًا ثنائية وثلاثية، وخطوط ساخنة مشغولة على مدار الثانية الواحدة، وعواصم حافلة بالاجتماعات الداخلية، فالمناسبة "خطرة"، على الرغم من بهجتها، وثمّة احتمالات عديدة توضع في الحسبان، لكن ليس بينها شعوب المنطقة وأمزجتها ومبادئها بالتأكيد، فالرفوف التي بنتها الأنظمة العربية طوال عقود قابلةٌ لاستقبال هذه الشعوب بملايينها، وتعليبها أيضًا إن شاءت الأنظمة، وليس في وسع أحدٍ أن يعترض أو يُبدي رأيًا؛ لأن إسرائيل فوق الجميع.

سيأتي الأب بايدن حتمًا؛ بعد أن غدا "الانفصال" حتميًّا في هذه المرحلة التي تغرُب فيها شمس القطب الواحد، وعلى أميركا من الآن أن تواجه حقائق مغايرة عمًا ألفته، ولن تكون فاتورة الحماية المباشرة لابنتها إسرائيل مفتوحةً إلى الأبد؛ وعليها أن تتفرّغ، من الآن، لهذه المتغيرات الدولية التي تهدّد عظمتها وقيادتها العالم، سيما مع بزوغ القوتين الروسية والصينية، ومن الواضح أنهما ستقاسمانها مناطق النفوذ والهيمنة، بما في ذلك "الشرق الأوسط"، ولن تسمحا لإسرائيل بمواصلة عربدتها القديمة، سيما مع نشوء قوى صغيرةٍ نسبيًّا لكنها قادرة على تهديد الابنة المدللة في الصميم.

هنا أدرك الأب "الحكيم" أن الحروب لم تعد حلولاً حاسمةً لإبقاء التفوّق الإسرائيلي قائمًا، بل ينبغي الانتقال إلى الخطة الأخرى التي كانت قد أعدّت خاتمة لمطاف الابنة بعد وصولها إلى سن البلوغ، ويعني ذلك تسليم "الأمانة" إلى العرب أنفسهم، فإسرائيل ينبغي أن تصبح شأناً عربيًّا داخليًّا، لها ما لهم "كلّه"، وليس عليها ما عليهم كله.. أليست مدلّلة؟ ينبغي دمجها في "حديقتها" المقامة من أجلها (الشرق الأوسط)، وليس "الوطن العربي" كما أشيع سابقًا.

والحقّ يقال، سيبرهن "الحاضن" العربيّ أنه قادرٌ على تحمّل مسؤولية "احتضان" إسرائيل بسعادة الأمهات العواقر، بفضل جيل جديد من الساسة متحرّر من الإرث والتراث والتاريخ برمّته، ولا يقيم وزنًا للمبادئ، ساسة لا يضيرهم أن يلتقوا ويسامروا مسؤولين صهاينة على وقع انهيار برج سكنيّ في غزة، ولا يخجلهم أن يكتب سفراؤهم تغاريد غزلٍ في "وداعة الشعب الإسرائيلي"، حتى لو تزامن ذلك مع استشهاد أم أو طالبة أو فتى، فلسطينيين على حواجز الذلّ الصهيونية، بل إنهم سرعان ما يتراكضون عقب كل عدوان صهيوني على غزة أو لبنان، إلى إعادة ترميم صورة إسرائيل المشوّهة في نظر العالم، بدلًا من تعريتها وفضحها.

والحقّ يُبكى عليه أيضًا إن قلنا إن "الاحتضان" أنجز من زمن بعيد، و"الأمانة" وصلت إلى أيدي أنظمة العار العربية منذ أمد، وعلى نحو يُحسَد عليه أيّ غاز ومستعمر، ولو شئنا الدقة، كان الماء العكر يجري بين أرجلنا، غير أننا كنا نحاول ادّعاء التعامي، وإلا ما معنى أن تكون الحدود العربية مع إسرائيل أمنع من الفولاذ بوجه كلّ من تسوّل له نفسُه تلبية نداء الكرامة، وما معنى أن تفضحنا تسيفي ليفني بصور قديمة تجمعها بمسؤولين عرب من دولٍ ما زالت لا تعترف بإسرائيل، ولو صوريًّا؟

شكرًا بايدن، فقد تسلّمنا الأمانة باقتدار، غير أنك لا تدري أن المشاركين العرب بهذا الاحتفال لم يعلموا أن ثمة احتفالًا موازيًا سيجري في قلب الاحتفال الرئيسيّ يخصّهم هذه المرّة، هو الاحتفال بـ"سن الشيخوخة"، مع فارق بسيط قوامه: أن لا أحد يحتضن العجزة.

EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.