أي مستقبل ينتظر لبنان؟

أي مستقبل ينتظر لبنان؟

20 مايو 2022
+ الخط -

السؤال الذّي ظلّ يحيّر اللبنانيين بضعة شهور قبل 15 مايو/ أيّار الحالي، جرت الأجابة عنه في هذا اليوم، عندما جرت فيه الانتخابات النيابية بشكل سلمي، ومن دون أيّة مشكلات أو عقبات كما كان يتوهم بعضهم. وبالتالي، انتهت تلك الفترة التي كانت محمّلة بشكوك وهواجس كثيرة، وبقلق كبير على مصير الانتخابات. وبات لبنان اليوم، في ضوء النتائج والمفاجآت التي تمخّضت عنها تلك الانتخابات، أمام مشهد وواقع جديدين، يحملان معهما سؤالاً جديداً عن المستقبل الذي ينتظر لبنان في ظلّ تلك النتائج، وما أفرزته من موازين قوى في المجلس النيابي الجديد، وبالتالي في المشهد السياسي اللبناني الجديد، خصوصا أنّ لبنان يعيش أزمة سياسية واقتصادية حادّة تحتاج حلولا سريعة، لأنّ لبنان لا يمكنه أن يتحمّل مزيدا من الوقت ومن المعاناة مع هذه الأزمة الآخذة بمزيد من التوسّع والاضطراد مع كلّ يوم يمرّ.

معظم الأطراف التي بات المجلس يتشكّل منها ما زالت ترفع السقف، وتستخدم لغة التصعيد والوعيد

أولاً، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ أهم وأبرز مفاجأة حملتها الانتخابات كانت في عدم تمكّن أيّة قوّة سياسية، منفردة أو عبر تحالفات فريقي الانقسام السياسي في البلد من الحصول على الأكثرية المطلقة في المجلس الجديد (64 +1)، بل على العكس صعدت إلى المجلس شخصيات مستقلة وأخرى تنتمي إلى ما يُعرف بالمجتمع المدني، وهي في مجموعها وصلت إلى حدود 26 نائباً، وإن لم تكن منضوية في إطار واحد أو في كتلة نيابية واحدة، فإنّها تشكّل بمجموعها قوّة نيابية مرجّحة تستطيع أن تفرض نوعاً من التوازن داخل المجلس، وتالياً في المشهد السياسي اللبناني. غير أنّ السؤال الأساسي، بعد صدور نتائج الانتخابات، يكمن في أيّ مستقبل ينتظر لبنان في ظلّ هذه الفسيفساء الجديدة في المجلس التي لا يملك فيها أيّ طرف أو فريق الأكثرية التي تخوّله تشكيل الحكومة وتكوين السلطة من جديد؟
واضحٌ، في ضوء التصريحات التي صدرت خلال الساعات الأولى التي تلت صدور نتائج الانتخاب، أنّ معظم الأطراف التي بات المجلس يتشكّل منها ما زالت ترفع السقف، وتستخدم لغة التصعيد والوعيد، وكأنّها لم تخرج بعد من ضوضاء الانتخابات وخطاباتها التي تدغدغ مشاعر الناخبين، في حين أنّ البلد في ظلّ الأزمة التي يعيشها يحتاج إلى تفكير هادئ وعقلاني وبعيد عن لغة التشدّد والتخوين والانفعال، وإلا فإنّ دوّامة الأزمة ستستمرّة، بل ستزداد ضراوةً. ومن هنا يمكن القول إنّ القوى التي صنّفت نفسها قوى تغييرية أو مستقلة بحاجة هي أولاً إلى اعتماد أداء مسؤول وعقلاني يشكّل مقدمةً حقيقيةً تساعد على تشكيل قناعة لدى الأطراف الأخرى التي تناصب بعضها العداء والخصومة من أجل الشروع في حوار وتفاهم ينقذان البلد، ولعلّ ذلك يبدأ من تشكيل قناعة لدى الجميع أنّ أحداً لا يمكنه أن يلغي الآخرين، ونتائج الانتخابات أثبتت ذلك بعيداً عن تسجيل مواقف الانتصارات الوهمية لكل فريق.

القوى التغييرية الحديثة أمام مسؤولية تاريخية لناحية تحويل المجلس النيابي إلى خلية نحلٍ من أجل الوطن

مستقبل لبنان في ضوء الانتخابات رهن تفكير القوى السياسية من طرفي الانقسام من ناحية، ورهن تفكير وتعامل القوى التغييرية التي دخلت المجلس النيابي قوّة وازنة ومرجّحة من ناحية ثانية، فـإذا كانت القوى السياسية المنقسمة بين فريقين ستظلّ تمارس اللعبة ذاتها في عملية الإقصاء والمحاصصة والكيدية، وتقديم المصالح الخاصة أو الطائفية أو الفئوية أو الإقليمية والدولية على حساب المصلحة الوطنية، فذلك سيعني بالضرورة مزيداً من الشلل والانقسام وتأخير الحلول للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي مزيدا من الغرق في وحْل الأزمات التي يمكن أن تتسع، وتخلّف أزماتٍ من أنواع أخرى قد يصعب حلّها. أمّا إذا عادت إلى التفكير بلغة هادئة وعقلانية، واقتنعت بضرورة تقديم التنازلات من أجل الوطن، فإنّ لبنان يمكن أن يبدأ مسيرة التعافي والخروج من الأزمة. وبالنسبة للقوى التغييرية الحديثة، فهي أيضاً أمام مسؤولية تاريخية لناحية تحويل المجلس النيابي إلى خلية نحلٍ من أجل الوطن، وهذا أيضاً يحتاج إلى تفكير عقلاني ومنطقي وإلى إدارة المرحلة الجديدة خارج المعارك الصفرية على قاعدة "كلن يعني كلن"، بل على قاعدة كسب المعارك الإصلاحية والتغييرية بالنقاط وهذا متاحٌ بل ممكن في ظلّ التوازنات أو في ظلّ الحاجة إلى هذه الكتلة المرجّحة والضامنة، لكن الإشكالية التي تعترض ذلك أنّ هذه القوّة التغييرية ليست كتلة واحدة ولا فريقاً واحداً، بل هي مجموعة أفراد يحملون تطلعات مشتركة وواعدة تجاه مستقبل لبنان.
أكثر ما يقلق في المرحلة المقبلة في لبنان أن تتحوّل إلى مرحلة تشبه ما هو حاصل في العراق الذي يعيش، منذ إجراء الانتخابات النيابية فيه في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، شللاً لأسبابٍ باتت غير مجهولة، مع فارق أنّ العراق قادر على التحمّل، بالنظر إلى الإمكانيات الاقتصادية المتوفرة فيه، في حين أنّ لبنان ليس له قدرة على الاستمرار في حالة المعاناة والأزمات، بسبب عدم قدرته على ذلك، وهو ما قد ينذر بشرّ مستطيرٍ إذا لم يحتكم الجميع إلى لغة العقل والحكمة والمنطق.