أي سيناريوهات في السودان؟

أي سيناريوهات في السودان؟

08 أكتوبر 2021
+ الخط -

أظهرت محاولة الانقلاب أخيرا في السودان، وما تلاها من تراشق الاتهامات بين مكوّني السلطة الانتقالية (المدني والعسكري)، مدى عمق الأزمة السياسية وشدّة التوتر بين مكوني هذه السلطة التي تحكم وفقاً للوثيقة الدستورية التي حدَّدت أُسس الانتقال إلى الحُكم المدني، عقب توقيعها في أغسطس/ آب 2019 بين المجلس العسكري المنحل وائتلاف قوى إعلان الحرية والتغيير، بعد إطاحة حكم الرئيس عمر البشير في إبريل/ نيسان 2019، فالاتهامات المتبادلة بين طرفي المعادلة السياسية التي أعقبت عملية الانقلاب الفاشلة التي قادها قائد سلاح المدرعات، اللواء عبد الباقي بكراوي، عكست العلاقة المضطربة والملتبسة بينهما، والتي تعبّر عن حالة الهشاشة التي تعانيها المرحلة الانتقالية في السودان، والتي يمكن إرجاعها إلى سبب وحيد، الصراع على السلطة وفشل طرفي المعادلة السياسية في الوصول إلى معادلة المصلحة الوطنية لعبور الفترة الانتقالية التي تنتهي بانتخابات عام 2024.

تدفع هذه الخلافات التي عمّقت الشرخ السياسي بين مكونات المعادلة السياسية في الفترة الانتقالية إلى طرح التساؤل بشأن السيناريوهات المتوقعة للعلاقة بين الطرفين، في ظل بوادر الانقسام العنيف بينهما. وللإجابة، يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات أساسية، يُتوقع أن تحدّد مصير العلاقة والشراكة بينهما:

سيطرة العسكر على الحكم في السودان، في ظل وجود أطراف عسكرية عديدة لديها حساباتٌ ومطامع مختلفة، لا تتفق مع حسابات الثورة وآمالها في الانتقال المدني الديمقراطي

الأول، الحوار لتجاوز الأزمة الحالية، وهو السيناريو الأفضل في حال توفّر الرغبة الحقيقية لدى طرفي المعادلة السياسية في إكمال المرحلة الانتقالية، والانتقال إلى الحكم المدني الديمقراطي، كما يمكن أن يتحقق في حال استمرّ الحراك الدبلوماسي والضغوط الإقليمية والدولية عليهما، لتخفيف التوتر والعودة إلى ما كان قائماً. وضمن هذا السيناريو يمكن الحديث عن خيارين: إكمال الفترة الانتقالية كما هو مُتفق عليه في الوثيقة الدستورية، والتي تنتهي عام 2024 بانتخابات عامّة والانتقال الديمقراطي الكامل، ويعتبر هذا الخيار الأفضل ضمن هذا السيناريو. الاتفاق على اختصار الفترة الانتقالية، وإجراء انتخابات مبكّرة تنتج عنها مؤسسات دستورية، تتولّى مهمّة قيادة السودان بعدها. ويعتبر هذا الخيار الأسوأ، كونه قد يُدخل السودان في أزماتٍ متعدّدة ومستمرّة، بسبب عدم اكتمال إصلاح أجهزة الدولة المفترض إصلاحها في الفترة الانتقالية، كما أنّه يعد أحد أهم الخيارات التي يستخدمها المكوّن العسكري في تهديد المكوّن المدني، بإجراء انتخابات مبكّرة ومفتوحة لكل القوى السياسية.

السيناريو الثاني، سيطرة العسكر على الحكم في السودان، في ظل وجود أطراف عسكرية عديدة لديها حساباتٌ ومطامع مختلفة، لا تتفق مع حسابات الثورة وآمالها في الانتقال المدني الديمقراطي. ويمكن أن يتحقق هذا السيناريو بطريقتين: من خلال رفض المكوّن العسكري في المجلس السيادي الحالي (خمسة عسكريين وستة مدنيين وثلاثة من الحركات المسلحة)، تسليم رئاسة المجلس السيادي الانتقالي إلى المكوّن المدني المقرر في الشهر المقبل (نوفمبر/ تشرين الثاني) طبقاً للوثيقة الدستورية، وخصوصاً بعد حديث رئيس المجلس، الفريق عبد الفتاح البرهان، عن وصاية الجيش على البلاد. الطريقة الثانية، الاستيلاء الفعلي على السلطة عبر انقلاب عسكري كلاسيكي، يقود إلى إنهاء المرحلة الانتقالية الحالية، وتسلّم العسكر مقاليد الحكم. تواجه هذا السيناريو صعوبات عديدة، أهمّها الرفضان، الشعبي والدولي، لأي انقلاب يمنح الجيش وحده السلطة والحكم. ومع ذلك يبقى هذا أحد السيناريوهات المتوقعة، خصوصاً أنّ السودان بلد عائم على الانقلابات، فمنذ الانفصال عن مصر عام 1956، وحتى عام 2019، حَكَمَ العسكر عبر ثلاثة انقلابات ناجحة (جعف نميري ثم إبراهيم عبود ثم عمر البشير) نحو 55 عاماً، مقابل سبع سنوات فقط من الحُكم المدني، كما شهد السودان منذ إطاحة حُكم البشير في إبريل/ نيسان 2019 ست محاولات انقلابية.

مسؤوليات كبيرة على طرفي المعادلة السياسية السودانية تحت مظلة الوثيقة الدستورية

السيناريو الثالث، فضّ الشراكة بين المدنيين والعسكريين، وإعلان كل مكوّن حقه في السلطة والحكم. ويعدّ هذا السيناريو خطيرا، فعواقب أي نكوص أو التفاف على الوثيقة الدستورية من أي طرفٍ وخيمة على البلد، وعلى آمال الانتقال الديمقراطي، ويُدخل السودان في أزمةٍ قد تستعصي معها الحلول، حيث تظهر بعض التفاعلات والأحداث بعد محاولة الانقلاب الفاشلة محاولات أطرافٍ معينةٍ في المكوّن العسكري لتطبيق هذا السيناريو، سواء باقتراح توسيع قاعدة المشاركة في الفترة الانتقالية، لتغيير المعادلة القائمة، وتصدّر المشهد السياسي، أو من خلال محاولة استقطاب بعض قوى الحرية والتغيير، والمكونات السياسية الأخرى، بما فيها الحركات المسلحة التي وقعت اتفاق السلام في جوبا، لطرفهم وفض الشراكة مع ما تبقّى من المكونات المدنية. وهذا السيناريو صعب التطبيق، بسبب تماسك قوى الحرية والتغيير وتوجّسها من طموحات العسكر في السودان، إلى جانب استنفار الشارع ضد أي نكوصٍ عن انتقال مدني للسلطة.

يمكن القول إنّه، وبغض النظر عن مدى أفضلية سيناريو على آخر، هناك مسؤوليات كبيرة على طرفي المعادلة السياسية السودانية تحت مظلة الوثيقة الدستورية الموقّعة بينهما، وذلك لإنجاز توافق يقود إلى استكمال باقي الهيئات التشريعية والقضائية للفترة الانتقالية، فالسودانيون، الآن أكثر من أي وقت مضى، يحتاجون وقفة جادّة للتفكير في مخاطر المرحلة الحالية، والاتفاق على حلول جذرية، وبرامج محدّدة للوصول إلى محطة الانتخابات، والانتقال منها إلى مرحلة المدنية والديمقراطية الكاملة التي نادت بها قوى الثورة.