أيّ غرب يهاجم قطر قُبيْل المونديال... ولماذا؟

أيّ غرب يهاجم قطر قُبيْل المونديال... ولماذا؟

17 نوفمبر 2022

مشجّعون برازيليون في الدوحة بانتظار انطلاق كأس العالم (14/11/2022/Getty)

+ الخط -

اشتدّت الحملات المعادية لقطر في الآونة الأخيرة مع اقتراب إشارة انطلاق ضربة البداية لكأس العالم فيفا قطر 2022. وربّما يحتاج الأمر إلى إضاءةٍ تعمل على فهم منطلقات هذه الحملات وأهدافها ومآلاتها. وقد يكون هذا الباب الذي يمكن أن يسهم من خلاله الكاتب في إنارة الرأي العام العربي والدولي بشأن هذا الموضوع. والغرب، كما يعرف المطّلع على هذا الفضاء الحضاري، متعدّد؛ إذ هناك الغرب الاجتماعي، والغرب الرسمي/ السياسي، والغرب الإعلامي. ولذلك، السؤال المركزي، هنا: أيّ غرب يهاجم قطر؟

بالنسبة إلى الغرب الاجتماعي، لا نرى ولا نسمع إلا أصوات التشجيع الحماس والشوق إلى معانقة أرض شبه الجزيرة العربيّة لأوّل مرّة بالنسبة إلى مئات آلاف من المشجّعين ومن محبّي التظاهرات الكبرى ومن مشجّعي كرة القدم. هذا الغرب الاجتماعي (المتكوّن من مثقّفين، وفنّانين، ومناضلين سياسيّين وبيئيّين وحقوقيّين، وطلّاب جامعات، ومن عامّة النّاس المنتمين إلى الفضاء الأوروبي) يتبنّى أغلبه الأيديولوجيا الاجتماعيّة الديمقراطيّة (social democratic). ولذلك كثيراً ما يكون منحازاً إلى جانب الأمم الناشئة وإلى العدالة الكونيّة وإلى الحقّ في الحياة كلّها من دون منّة ولا وصاية ولا تعالٍ. هذا الغرب هو الذي ساند الثورة الجزائريّة، ووقف مع عدالة القضيّة الفلسطينيّة، وتصدّى لمطامع الغرب الاستعماري في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية والكونككاف.

وبالنسبة إلى الغرب الرسمي/ السياسي لم يمانع في منح شرف تنظيم المونديال إلى دول تقع خارج إطاره الجغرافي أكثر من مرّة، فكانت البطولة الأولى للأوروغواي (1930)، ثمّ تشيلي (1962) فالمكسيك (1970 و1986)، وبعد ذلك الأرجنتين (1978) ثمّ كوريا الجنوبيّة واليابان (2002) وأفريقيا الجنوبيّة (2010) والبرازيل (2014). غير أنّ هذه الدول كلّها تقع خارج الإطار الحضاري العربي الإسلامي. طبعاً، لا نشكّ في أن مقاييس إسناد التنظيم تكون، في أغلب الأحيان، تقنيّة وفنيّة تتعلّق بالبنية التحتيّة، من جهة، واجتماعيّة محصّل أمرها الجانب الأمني والاستقرار الاجتماعي للبلد المضيف. وإن لم يخل الأمر من خلفيّات سياسيّة أحياناً.

أدرك الغرب الرسمي أنّ الوقت قد حان ليتشارك تنظيم المونديال مع دول العالم الناشئة، لا من خارج إطاره الجغرافي فقط، بل أيضاً من خارج فضائه الحضاري أيضاً

ثمّ أدرك الغرب الرسمي نفسه أنّ الوقت قد حان ليتشارك تنظيم المونديال مع دول العالم الناشئة، لا من خارج إطاره الجغرافي فقط، بل أيضاً من خارج فضائه الحضاري أيضاً، هذه المرّة، بعد 92 سنة من أوّل بطولة عالميّة لهذه اللعبة. فكانت قطر، من الحضارة العربيّة الإسلاميّة، ومن الفضاء الشرق أوسطي، هي الدولة الأكثر توثّباً وحماساً واستعداداً لتنظيم هذه التظاهرة الرياضيّة الأكبر على الإطلاق. ولم يكن في الأمر منّة لأنّ الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) والغرب من ورائه يعلم تمام العلم أنّ قطر قادرة على استيفاء الشرطين الرئيسيّين للتنظيم؛ البنية التحتيّة (الملاعب أساساً) والأمن الاجتماعي.

وفي هذا الغرب السياسي لم نسمع تقريباً إلّا صوتاً واحداً مناوئاً لقطر سرعان ما خفت، هو صوت وزيرة الداخليّة في حكومة التحالف الاجتماعي الديمقراطي في ألمانيا نانسي فيزر التي عبّرت عن موقف غير مفهوم وغير مبرّر، ولا ينمّ عن حنكة سياسيّة تجاه قطر وتنظيمها بطولة كأس العالم لكرة القدم. غير أنّ هذا الموقف للمسؤولة الألمانيّة سرعان ما أغلق إثر زيارتها الدوحة نهاية الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول) قبل أقلّ من ثلاثة أسابيع عن انطلاق المونديال، واطّلعت على الاستعدادات التنظيميّة والتشريعيّة للبطولة، وأدلت، في الإبّان، بتصريحات إيجابيّة عن أهليّة قطر بالتنظيم والجهود العظمى التي تبذلها طبقاً للقوانين والمواثيق الدوليّة. وأنهت التهافت حول الموضوع بدعوتها إلى "دعم جهود قطر في إصلاحاتها الحاسمة للمستقبل"، واعتزامها حضور المباراة الافتتاحيّة لبلدها يوم 23 نوفمبر/ تشرين الثاني أمام اليابان. ماذا بقي، إذن؟

كثيراً ما كان الغرب الإعلامي وراء زعزعة استقرار دول، وزرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد في دول ثانية

بقي الغرب الإعلامي. يستدعي فهم تركيبة هذا الغرب وقفة؛ فهو يوهم بأن هدفه الحقيقة وقدسيّة الخبر. ولكنّ العارفين يدركون أنّه تغلب عليه اللوبيات التي تستعمل الضغط أسلوباً ومنهجاً في التعامل مع الملفّات وتحرّكه المصالح، فيتمّ التعامل مع الملفّات والقضايا تعاملاً فضائحيّاً، وتُستغلّ التحقيقات الصحافيّة والمقالات لأغراض سياسيّة (خدمةً لطرف سياسي هو في الوقت ذاته شريك أيديولوجي، مثل أحزاب اليمين، أو ضرباً لطرف سياسي مخالف أيديولوجيّاً أو خدمةً لكيان خارجيّ حليف خدمة لأجندات قوى عظمى، لا سيما الكيان الصهيوني)، أو لغايات ميركنتيليّة تقوم على السمسرة بالملفّات بحثاً عن عائدات ماليّة ورشاوٍ عبر أسلوب الضغط والتشهير، أو لمنطلقات عنصريّة، قوامها معاداة قوميّات وأجناس وأعراق وأديان وحضارات بعينها انتصاراً للغرب وجنسه وحضارته. لعلّ إحدى هذه الغايات أو كلّها تحرّك الحملات العدائيّة ضدّ قطر وضدّ هذا الفضاء الحضاري العربي الإسلامي المُدان دائما المُتّهم باستمرار، والذي عليه أن يظلّ محاولاً تبرئة نفسه إلى نهاية التاريخ!

وكثيراً ما كان الغرب الإعلامي وراء زعزعة استقرار دول، وزرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد في دول ثانية، وتسليط عقوباتٍ جائرة على دول أخرى. بل إنّه كان طرفاً في مؤامرات كبرى لدول عظمى، أدّت إلى حروبٍ مدمّرة وعدوان وحشي على دول آمنة (العراق، مثلاً). ولم يكن هذا الإعلام الميركنتيلي يوماً خارج المدارات الكبرى للدول العظمى والشركات الكبرى يتبادل معها الخدمات.

ولهذا كلّه، لا يمكن أن يكون هذا الإعلام مرجعاً لشيءٍ ذي قيمة، ولن يكون لحملته العدائيّة تأثير، لا سيما أنّ الجماهير الغربيّة (الغرب الاجتماعي) شرعت في الحلول في الدوحة، وبدأت في إقامة حفلاتها وأفراحها. وسيدخل هذا المونديال التاريخ ابتداء من يوم 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، وستذوي أصوات الإعلام الميركنتيلي الغربي، وسيعود إلى ثكناته خالي الوفاض، إذ لا شيء جناه؛ فالجماهير حضرت، والبطولة ستنجح. وسيكون نجاحها رسالة حبّ وسلام للعالم تعدّ خير دليل براءة لهذا الفضاء الحضاري العربي الإسلامي الذي لن يتنازل في المستقبل عن حقّه في تنظيم المونديال.

مصطفى القلعي
مصطفى القلعي
كاتب وناقد ومترجم تونسي