Skip to main content
أوبرا وينفري والدراما الملتزمة
بسمة النسور
لقطة شاشة لأوبرا وينفري في حفل توزيع جوائز Global Citizen في نيو يورك (19/12/2020/Getty)

سبق للإعلامية المذيعة والمحاورة الأميركية الأكثر شهرة، أوبرا وينفري، أن أبهرت النقاد والجمهور، حين طرقت باب الدراما أول مرة عام 1985 في فيلم "اللون الأرجواني" من إخراج ستيفن سبيلبرغ، المأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه للكاتبة الأميركية، أليس ووكر، حين قدّمت، باقتدار كبير، شخصية صوفيا، المرأة السوداء ذات الروح المتمرّدة الحرة التي تأبى الاستسلام، وقد انتصرت لكرامتها في مواجهة سيدة بيضاء أهانتها وحقّرتها، في زمن ساد فيه التمييز العنصري، وحرم الزنوج من أبسط حقوقهم الإنسانية بسبب لون بشرتهم. وقد ترشّحت أوبرا لجائزة أوسكار لأفضل ممثلة مساعدة عن ذلك الدور الذي قدّمته بشغف كبير. صوفيا المرأة قوية الشخصية التي رفضت الخضوع لعنف الذكور السائد في مجتمعها، واستبداد الأبيض بها، ما أدى إلى زجّها في السجن، وتعذيبها وحرمانها من أطفالها.
ولطالما عالجت الأفلام التي شاركت فيها أوبرا مشكلات العنصرية والعنف ضد النساء، وهي الهواجس الكبرى لديها طوال مسيرتها المهنية، ناشطة سياسية مدافعة قوية عن السود والنساء المضطهدات، وقد انتزعت اعتراف الجميع بموهبتها ممثلة موهوبة، قادرة على اختيار الأدوار التي تخدم قضاياها. وفي فيلم "سيلما" الذي أدّت بطولته أمام ديفيد أويلو وكارمين إجوغو، سرد لسيرة نضال الزعيم مارتن لوثر كينغ ورفاقه من النشطاء، في سعيهم المستمر إلى تحقيق المساواة بين البيض والسود في فترة الستينيات، إبّان التصويت على حقوق الإنسان.
إحدى أهم مغامرات أوبرا في عالم الدراما الذي أثبتت فيه براعتها ممثلةً شديدة التمييز، في الفيلم التلفزيوني "الحياة الخالدة لهنريتا لاكس"، وأدت فيه دور ابنة هنريتا الكبرى ديبرا. وهو يحكي قصة هنريتا، امرأة أميركية سوداء، عاشت في ولاية فيرجينيا في الولايات المتحدة الأميركية. تزوجت وأنجبت خمسة أطفال وتوفيت إثر إصابتها بسرطان عنق الرحم. قام العالم الأميركي جورج جاي، من جامعة "جون هوبكينز"، بدراسة عينة من خلاياها الغريبة التي حاول العلماء تفسير حالتها غير المسبوقة، بأنّ طفرة ما حدثت في خلاياها، جعلتها لا تموت، بل كانت النتيجة مجموعة من خلايا هنريتا موجودة بعد 65 عاماً من موتها، حيث أصبحت أول عينة بشرية من الخلايا تبقى إلى الأبد ولا تموت. وكانت الفضيحة الأخلاقية التي تورّطت فيها الجامعة حينذاك، في إقدامها على أخذ العينة وزرعها في المعمل، لتنشر في مختبرات كلّ العالم، واستخدمها العلماء في آلاف التجارب والبحوث العلمية من دون موافقة المريضة أو معرفة عائلتها التي فسّرت الأمر بأنّ هنريتا كانت ملاكاً لا يشبه البشر، بل إنّ الرب سخّر خلايا جسدها فداء للإنسانية. هذا ما آمنت به ديبرا، الابنة الكبرى التي لا تذكر من حياة أمها الكثير، غير أنّها ظلت متعلقة بها، مصممة على تخليد اسمها. أبدعت أوبرا، كما لم تفعل من قبل، في تجسيد شخصية ديبرا، المرأة الخمسينية التي لم تتمكن من تجاوز أحزان طفولتها المعذّبة، حين حُرمت من والدتها، وتعرّضت وإخوتها للظلم والتعنيف والاضطهاد الذي وصل إلى التحرّش الجنسي.
وتطرّق الفيلم إلى مظاهر التمييز العنصري ضد السود الذين كانوا يُستخدمون في الثلاثينيات في التجارب العلمية مثل فئران المختبرات. قصة مؤثرة وموجعة وأداء درامي باهر، قدّمته أوبرا وينفري، المرأة الصلبة العنيدة التي ظلت، على الرغم مما حققته من شهرة وثراء فاحش، مخلصةً لقضايا قومها، ساعيةً في كلّ منبر إلى فضح مظاهر العنصرية المتفشية في مجتمعها. مناصرة مخلصة لقضايا النساء، حريصة على العمل من أجل تحسين ظروف معيشتهن، مستمدة العزم والتصميم من قصة حياتها الشخصية الصعبة التي تميزت بالكفاح والإرادة الصلبة، والقدرة الاستثنائية على مواجهة الصعاب، ولتتحول إلى رمز نسوي عالمي تقتدي به النساء في كلّ أرجاء الأرض.