أن تكوني امرأة اليوم

أن تكوني امرأة اليوم

08 مارس 2022

(باية محيي الدين)

+ الخط -

لم تستوقفني يوما تلك الأعياد التي تحتفي بأشخاص أو برموز يتمّ الالتفات إليها مرة في العام، بل إني أجدها أشبه بمكافآت ترضيةٍ "وقحة"، تُعطى لمن دفع ربما ما لا يمكن تقديره بأثمان، كأن يتمّ التعويض مثلا على من أمضى ظلما عقوبةً في السجن صرف فيها كامل عمره، أو على من فقد عزيزا برصاصةٍ طائشة، أو في انفجار، أو بفعل قذيفة طائشة. هكذا، تحتل رزنامة أيامنا أعيادٌ واحتفالياتٌ يُفترض أنها تعوّض على أصحابها ما لحق بهم من إجحاف أو ذلّ أو هوان، بأن نحتفي بهم في تاريخ معين اعترافا بفضلهم وقيمتهم، وتخلّصًا مما يسببونه لنا من شعور بالذنب. 
اليوم، 8 مارس/آذار، هو اليوم العالمي للمرأة على سبيل المثال. لكنّ المتفكّر به والمطّلع على حكايته وتاريخه، سوف يكتشف فيه بُعدا سياسيا ونضاليا لا تضطلع به أيامٌ احتفالية أخرى، فهل ينبغي التذكير بأنه التاريخ (عام 1908) الذي خرجت فيه نحو 15 ألف سيدة من عاملات النسيج الأميركيات، في مسيرة احتجاجية إلى شوارع مدينة نيويورك، وهن يحملن الخبز اليابس وباقات الورد، من أجل المطالبة بتخفيض ساعات عملهن، ورفع أجورهن ومنحهن حق التصويت في الانتخابات ومنع عمالة الأطفال؟ أجل، على خلاف أعياد كثيرة أخرى، لم يكن الاحتفال بيوم المرأة العالمي منّةً من أحد، أو سبيلا للتعويض، بل جاء في الأساس اعتراضا على ظروف عمل المرأة واستغلالها، ومطالبةً بتحسين شروط عيشها. هكذا، وبعد عامين، صوّتت مائة امرأة قدمن من 17 دولة، بالإجماع، خلال مؤتمر دولي للمرأة العاملة عقد في أوروبا (في كوبنهاغن)، على تحويل هذا التاريخ إلى يوم عالميّ. وهو لم يصبح يوما رسميا إلا عام 1977، بعد أن اعتمدته منظمة الأمم المتحدة، رمزا لنضال المرأة  من أجل نيل حقوقها.
والحال أن الطريقة الأمثل ربما للاحتفال بيوم المرأة العالمي قد تقوم في طرح السؤال: ما معنى أن تكوني امرأة اليوم، في العشرية الثالثة من القرن الواحد والعشرين، متزوّجة كنت أم عزباء، متعلّمة أم أمّية، عاملة أو ربة منزل، سوداء أم بيضاء؟ التنويعات الممكنة عديدة لا تُحصى، كما هي الإجابات المحتملة، إلا أن ملمحا مشتركا عاما لا بدّ أن يظهر بين كل تلك الأوضاع، مبرزا ولا ريب مستويات السعادة والنعيم والاعتراف والتشارك التي بلغتها المرأة إثر نضالها المديد، في مشارق الأرض ومغاربها.     
وقد يكون الأصحّ تصويب السؤال من خلال استبداله بسؤال آخر: ما هي تبعات أن تكوني امرأة اليوم؟ ففي الحروب والنزاعات والأزمات الاقتصادية وسواها من الآفات الكبرى التي لا تني تضرب كوكبنا الجميل، لن يكون ضروريا البرهان عن الضريبة المضاعفة التي تدفعها النساء في كل مرة، موتا وسبيا واستلابا، بل سيكون من غير المجدي إقران هذا القول بأرقام وإحصائيات غير ثابتة تتبدّل، بكل أسف، صعودا. والعنف الأسريّ لا يتراجع، إذ إن النساء اللواتي يُقتلن على يد الزوج أو الشريك في ازدياد ملحوظ، في البلدان النامية والفقيرة على السواء. والمساواة في سوق العمل، فرصا وأجورا، لم تتحقق، فنسبة البطالة لدى النساء دائما أكبر، وأجر المرأة لقاء الوظيفة نفسها دوما أقلّ. الزواج المبكر ما زال دارجا ومبرّرا دينيا في عدد من المجتمعات المتخلّفة، وما زالت البنات في بيئات عديدة يُمنعن من الذهاب إلى المدرسة. المرأة العاملة أو الموظفة التي خرجت إلى سوق العمل وحقّقت استقلالية مادية، تشارك زوجها تحمّل الأعباء الاقتصادية، من دون أن يشاركها هو تحمّل أعباء المهام المنزلية وتربية الأولاد .. إلخ، إلخ.

نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"