أفغانستان وأوراق روسيا والصين في آسيا الوسطى

أفغانستان وأوراق روسيا والصين في آسيا الوسطى

22 سبتمبر 2021
+ الخط -

دفع تطور الأوضاع في أفغانستان الأنظار من جديد نحو الجوار الأفغاني القريب في جمهوريات آسيا الوسطى السوفييتية السابقة، لا سيما بعد الانسحاب الأميركي، والذي تزامن مع عودة حركة طالبان إلى الحكم.

ثلاث من خمس دول في آسيا الوسطى تحدّ أفغانستان، ويبلغ طول حدود أفغانستان مع طاجكستان 1200 كيلومتر، ومع تركمانستان 744 كيلومتراً، وأوزبكستان 137 كيلومتراً، ولا حدود لقرغيزستان مع أفغانستان، وتقع طاجكستان بينهما. ومع ذلك، فإن المسافة بين إقليم بدخشان الأفغاني ومنطقتي باتكين وتشون ألاي في قرغيزستان 300 كيلومتر فقط.

تتوافق مصالح البلدين في آسيا الوسطى في منع عدم الاستقرار المحتمل القادم من أفغانستان، وكبح إمكانية تنامي الإرهاب والتطرّف

وضع الانسحاب الأميركي من أفغانستان جمهوريات آسيا الوسطى أمام عدة تحديات، سيتعين عليها مواجهتها على الصعيدين المحلي والإقليمي، لا سيما أوزبكستان وطاجكستان وتركمانستان، وقبل كل شيء القضايا الأمنية، مع الأخذ في الاعتبار عينه عدم امتلاك دول آسيا الوسطى أي أدواتٍ قوية للتأثير في تطور الأحداث في هذا البلد المجاور.

كذلك يثير انهيار السلطة الرسمية في أفغانستان تساؤلاتٍ بشأن الاتفاقات المتعلقة بكل المشاريع الاقتصادية، والبنية التحتية، والنقل، وغيرها، التي روّجتها بنشاط في السنوات الأخيرة معظم الدول الكبرى والإقليمية، بما فيها المجاورة في آسيا الوسطى، إضافة إلى أن هناك أيضاً تحدّيات للاستقرار الاجتماعي داخل تلك البلدان، حيث إن إقامة اللاجئين تهدد دائماً بإثارة التوتر في المجتمع.

وستشكّل الأزمة الإنسانية المحتملة في هذا البلد تحدّياً للمنطقة، بما في ذلك اختبار التضامن، وسيكون من المهم القبول كبديهية أن المشكلة الأفغانية هي مشكلة المنطقة بأكملها، وليس فقط مشكلة للدول المجاورة لهذا البلد، والتي ستتحمل العبء الرئيس، وأن أمن كل دولة من جمهوريات آسيا الوسطى يبدأ ليس فقط على حدودها، وإنما أيضاً على حدود كل آسيا الوسطى مع أفغانستان.

خطط الولايات المتحدة للحفاظ على نفوذها في المنطقة، بعد انسحابها من أفغانستان، تتعارض مع مصالح موسكو وبكين في آسيا الوسطى

وقد تواجه دول آسيا الوسطى مناورات دبلوماسية معقدة إلى حد ما، فمن ناحية، هناك الأخبار عن انهيار المنطقة في حالة زعزعة استقرار الوضع في أفغانستان. ومن ناحية أخرى، ضرورة الالتزام بأكثر السياسات واقعيةً، والتركيز على سياسة المشاريع الاقتصادية الملموسة والمنفذة.

على المستوى الإقليمي، عودة "طالبان"، وفق خبراء كثيرين، ستزيل بشكل نهائي من الأجندة "النظرية" القائلة إن أفغانستان يجب أن تكون جزءاً من آسيا الوسطى، وتدعو إلى دمجها في العمليات الإقليمية، حيث ستوجه محاولات التمسّك بها، بشكل مصطنع في المنطقة، ضربة إلى العملية الضعيفة بالفعل، المتمثلة في استئناف الأقلمة. إضافة إلى ذلك، من غير المجدي محاولة إشراك قطعة من الأرض في العمليات الإقليمية، حيث لا توجد دولة مستقرّة، والتي تتفكّك مؤسّساتها بسرعة من دون دعم خارجي.

احتفظت روسيا بدورها ضامناً رئيساً للأمن في آسيا الوسطى، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي أوائل تسعينيات القرن الماضي، حتى عندما قبل الكرملين بالتفوّق الاقتصادي للصين في المنطقة، حيث استفادت بكين من الصدام السياسي والاقتصادي بين روسيا والغرب، والعقوبات المتبادلة بينهما، وزحفت بكل قوة إلى مناطق النفوذ التقليدية لموسكو. ووصف مراقبون عديدون ديناميكيات العلاقة بين موسكو وبكين بأنها "تقسيم للعمل". وبكلام آخر، تتعامل روسيا مع القضايا الأمنية، والصين مع الاقتصاد، حيث تتفاعل روسيا مع آسيا الوسطى من خلال علاقاتها السياسية والعسكرية، وتعمل الصين دائناً ومحرّكاً للنمو الاقتصادي، لا سيما من خلال مليارات الدولارات في مبادرتها "حزام واحد، طريق واحد". وفي الواقع، هذا التقسيم غير واضح، وقيام الصين "بمناورات أمنية كبيرة" في السنوات الأخيرة قد يؤدّي إلى تسريع التوترات المتصاعدة، بعد صعوبة فصل النفوذ وتمييزه بين البلدين.

تتفاعل روسيا مع آسيا الوسطى بعلاقاتها السياسية والعسكرية، وتعمل الصين دائناً ومحرّكاً للنمو الاقتصادي

وعلى الرغم من الدور المتنامي للصين في المجال الأمني، تحافظ بكين وموسكو على شراكة أوسع تعزّزت في السنوات الأخيرة. إضافة إلى ذلك، تتوافق مصالح البلدين في آسيا الوسطى في منع عدم الاستقرار المحتمل القادم من أفغانستان، وكبح إمكانية تنامي الإرهاب والتطرّف. كما يوحد الصين وروسيا تنافسهما مع الولايات المتحدة، وكلا البلدين يهدفان إلى تقليص نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، ورحّبا بإغلاق القاعدة الجوية الأميركية في قرغيزستان عام 2014، إلا أن كلا البلدين يتنافسان بشكل متزايد مع بعضهما من أجل النفوذ في آسيا الوسطى. وتكتسب برامج تدريب ضباط الجيش في جمهوريات المنطقة أهمية لكل من موسكو وبكين. وكما في حالة مبيعات الأسلحة، فإن روسيا أيضاً رائدة هنا بفضل المدارس العسكرية في جميع دول آسيا الوسطى الخمس.

يبقى القول إن خطط الولايات المتحدة للحفاظ على نفوذها في المنطقة، بعد انسحابها من أفغانستان، تتعارض مع مصالح موسكو وبكين في آسيا الوسطى. ولن تكون المنافسة سهلةً في ظل قدرة الأميركيين على تقديم الموارد الأمنية وإيجاد فرص استثمارية.