أطباء إسرائيليون "يفاوضون" صائب عريقات

أطباء إسرائيليون "يفاوضون" صائب عريقات

24 أكتوبر 2020
+ الخط -

يثير لجوء كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، الأحد 18 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، إلى مركز طبي إسرائيلي قرب القدس، للاستشفاء من إصابته بوباء كوفيد 19 المستجد، مشاعر وأفكارا متضاربة. من أوضحها وأبسطها التعاطف مع الرجل وعائلته، بعدما كان أصيب، قبل ثلاثة أعوام، بمرضٍ في الرئة، أدّى إلى نقله للاستشفاء في الولايات المتحدة. وقد استهدف الوباء المستجد الجهاز التنفسي للرجل، والذي يشكو من ضعفٍ في مناعته بعد إصابته بالتليف الرئوي. وحتى كتابة هذه السطور، صباح الخميس 22 أكتوبر، فإن وضع عريقات (65 عاما) ما زال صعبا، وذلك مع استخدام جهاز تنفس اصطناعي له. وقد أبدى المستشفى (هداسا ــ عين كارم) اهتماما خاصا بالمريض، ففي اليوم الثاني لالتحاقه بالمستشفى، أوضح المسؤولون فيه أن حالته حرجة للغاية. وفي اليوم الثالث، أقام المستشفى نظام اتصال مفتوح مع مراكز طبية دولية، لمتابعة حالة عريقات والتداول بشأنها. ويتمنّى المرء، مع نشر هذه الكلمات، أن يكون قد تجاوز حالة الخطر، وبدأ يستعيد عافيته. 

هل أراد الجانب الفلسطيني بثّ رسالةٍ حول أهمية التعاون في المجال الإنساني، وأن السلام يُعظّم فرص التعاون بين الشعبين؟

وليس على هامش هذا الأمر، بل في قلبه، أن اختيار مركز طبي إسرائيلي استوقف كثيرين، فعقب إعلان الحكومة الفلسطينية يوم 9 أكتوبر عن إصابة عريقات بالوباء، عرض الأردن، بتوجيهاتٍ ملكية، تقديم كل ما يلزم للرجل، وقد سارع عريقات إلى توجيه الشكر والامتنان على هذه المبادرة التي عرضها بعدئذ مباشرة وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، على أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات. وكان منتظرا أن يتوجه عريقات، بين يوم وآخر، إلى عمّان للالتحاق بأحد أهم مراكزها الطبية، غير أن مسؤولين فلسطينيين تواصلوا لاحقا مع مسؤولين إسرائيليين لتمكين عريقات من الاستشفاء في مركز طبي إسرائيلي، وهكذا كان، حيث تم نقل أبو علي (كما يناديه المقرّبون منه) إلى مركز هداسا. فلماذا لم يقصد الأردن؟ علما أن المراكز الطبية الإسرائيلية لم تسجل تفوقا يُعتدّ به في معالجة المصابين بالجائحة، وحيث تحتلّ إسرائيل المركز الأول بين الدول المجاورة في عدد الإصابات بالوباء، والذي بلغ، حتى تاريخه، أزيد من 306 آلاف إصابة. ربما كانت هناك أسباب لوجستية منعت تحقيق هذا الهدف، أو أن سلطات الاحتلال وضعت عوائق أمام انتقال الرجل الذي يقيم في مدينة أريحا (75 كيلومترا فقط عن عمّان).

تحتلّ إسرائيل المركز الأول بين الدول المجاورة في عدد الإصابات بالوباء، والذي بلغ، حتى تاريخه، أزيد من 306 آلاف إصابة

حدث أمر التحاق المسؤول الفلسطيني الكبير بمركز طبي إسرائيلي في ظرف سياسي مفصلي وحساس، وهو تنامي موجة التطبيع الخليجية والعربية مع دولة الاحتلال، وقد اتخذ الجانب الفلسطيني موقف الاعتراض الشديد على هذه الخطوات. وفي هذه الأثناء، تم اللجوء إلى إسرائيل لغايات الاستشفاء، بدلا من الاستعانة بتسهيلات الشقيق. لم يتم إجلاء السبب وراء ما حدث، فقد تم التعامل مع هذه المسألة الحسّاسة بأداء بيروقراطي من جانب الحكومة الفلسطينية، وجرت الاستهانة بمدى البلبلة التي أثارتها الخطوة في أوساط الرأي العام الفلسطيني والأردني، وحتى العربي، فقد سادت مشاعر التعاطف مع المسؤول الفلسطيني، وفي الوقت نفسه، برزت مشاعر الاستغراب والنقمة للجوء إلى مركز طبي إسرائيلي للعلاج. وكان واضحا، في الأثناء، أن سلطة الاحتلال قد أفادت من هذه الواقعة، وعملت على استثمارها. فمن جهةٍ، تمت إشاعة الانطباع بأن الاحتلال يحوز التقدّم العلمي والطبي الذي يفتقده الفلسطينيون، وأن حاجة هؤلاء للخدمات الإسرائيلية (من منظور حاجة عريقات العيانية والراهنة) مسألة حياة وموت. وبهذا، كان الإسرائيليون يديرون، من طرفٍ خفي، وبالسلطة الطبية المطلقة، ما يشبه جولة مفاوضاتٍ مع كبير المفاوضين الفلسطينيين، فحواها عرضٌ يفيد بأنه: في استتباعكم لنا حياةٌ لكم. 

حدث التحاق المسؤول الفلسطيني بمركز طبي إسرائيلي في ظرف سياسي حساس

ويعرف المرء أن في وسع الجانب الفلسطيني تفسير ما حدث بأن الفلسطينيين يمتلكون موارد وكفاءات طبية عالية، لكن الاحتلال يعيق إقامة مراكز طبية متقدّمة في مدنهم، وأن اللجوء إلى مراكز طبية إسرائيلية ليس حديث العهد، بل هو جزء من التنسيق بين الجانبين في الشؤون المدنية، وأن إسرائيليين يمكنهم تلقي العلاج في مراكز طبية فلسطينية، وأن ذلك لا يمسّ المواقف السياسية الصلبة التي تبقى على حالها، وأن الجانب الفلسطيني أراد بثّ رسالةٍ حول أهمية التعاون في المجال الإنساني، وأن السلام يُعظّم فرص التعاون بين الشعبين، وأنه إن أمكن الآن، وعلى الرغم من الظروف الشاذّة، تحقيق قدر من التعاون، فكيف إذا ما حلّ سلام حقيقي...؟. وتبقى هذه الشروحات دفاعيةً، إذ إن هدف نيل الحرية والاستقلال ينبغي التقدّم إليه، وشقّ الطريق نحوه في جميع المجالات، ومراكمة الإنجازات والبناء عليها، مهما بدت متواضعة، بدلاً من إشاعة الانطباع وتكريس طريقة حياةٍ تقوم على الاعتمادية على المحتلين. 

في اليوم التالي لوصول عريقات إلى المستشفى، تجمّع عشرات من الصهاينة أمام باحة المستشفى يندّدون بتوفير الرعاية لمن يعتبرونه إرهابيا. وبين اللافتات، المكتوبة بالعبرية والإنكليزية، برزت لافتةٌ تحملها سيدة، مكتوب عليها باللغتين تساؤل: من هو الذي ضد التطبيع هلّق (الآن) يا عريقات؟ وعلى الأغلب أن اليافطة لسيدة إسرائيلية أرادت إحراج الرجل وما يمثله.

وبالمناسبة، يتمنّى المرء للقيادية حنان عشراوي الشفاء من وباء كوفيد 19الذي أصابها بعد إصابة عريقات بيومين، وأن يعودا معا إلى الكفاح ضد وباء الاحتلال الذي طال مكوثه في الديار.