أصدقاؤنا الآخرون .. أدونيس مثلاً

أصدقاؤنا الآخرون .. أدونيس مثلاً

17 ابريل 2022
+ الخط -

الثورة، كما يفهمها محسوبُكم، حركة تمرّد شعبية على واقع قائم، فاسد، هدفُها الانتقال بالمجتمع إلى واقع أفضل. والثوار لا بد أن يكونوا من الساخطين على ذلك الواقع، أو من الواقفين على الحياد الذين تنبههم الثورةُ، وتوقظهم، وتستنفر غضبهم، وتجعلهم يلتحقون بالثائرين الساخطين. إنها، إذاً؛ ليست ديناً، ولا عقيدةً، ومن ثم لا يُعقل، ولا يجوز أن تَجُبَّ ما قبلها. ومع ذلك، أصدقاؤنا الثوار "جَبَّبُوها"... قالوا: "الثورة تجبّ ما قبلها" فذهب قولُهم مثلاً، وتحوّل إلى قناعة ثابتة، غير قابلة حتى للنقاش... يعني؛ إذا كنتَ، حضرتُك، قد ارتكبت شتّى أنواع الموبقات، حينما كنت تسير في موكب نظام الأسد، وربما الجرائم، ثم أعلنتَ انضمامك للثورة، حتى ولو في وقتٍ متأخر، تصبح في ضفتنا الثورية نظيفاً، طاهراً، كيوم ولدتك أمك... هذا المبدأ الغريب أدّى، خلال أزيد من عقد زماني، إلى حشو الثورة، للأسف، بتشكيلةٍ عجيبةٍ من الثوار غير المتجانسين، وكثيرون منهم ليسوا ثوريين، إن لم نقل إنّهم جاهزون للانتقال إلى صفّ الثورة المضادّة في وقت من الأوقات.

هناك مبدأ آخر، تعرّفنا إليه خلال هذه الثورة، هو الكيل بمكيالين، فمقابل التغاضي عن ماضي الرجل السوري الذي انضمّ إلى الثورة فجبّت الثورة ماضيه؛ ثمّة بحثٌ، وتمحيص، وتشديد، وتضييق، ورفض لأيّ شخصٍ يبقى متحفظاً، أو لعلّه لم يقتنع بالثورة، أو انتقدها في يوم من الأيام، فوقتها تقوم على رأسه القيامة، ولا يبقى أحد من المناوبين على صفحات "السوشيال ميديا" إلا ويهاجمه، ويسبّه بعضهم بابتذال، بغض النظر عن قيمته، ليكن مفكراً، أو فيلسوفاً، أو أديباً متميزاً، لا فرقَ، فعندنا، نحن الثوار، لا يوجد كبير إلّا الجَمَل.

دعونا نأخذ مثالاً، شخصيةَ الشاعر السوري أدونيس. المشكلة الأساسية التي تمتد على طول شخصية أدونيس وعرضها هي "المسكوت عنه". إذا أصغيتَ لأحاديثه الموجودة على "يوتيوب" وبالأخص حوار أحمد سعد زايد معه، لا بد أن تقتنع بما يقدّمه من شروحات، وإجابات، وتفنيدات. وعندما يتحدّث عن المصائب التي صدرت عن بعض المنظمات الجهادية المتطرّفة، خلال السنوات الأخيرة، لا يمكنك أن تدحض كلامه، فتلك المصائب معروفة للقاصي والداني. لكنّك، بعد الانتهاء من مشاهدة المقابلة، ستكتشف أنّ هناك شيئاً ناقصاً، هو أنّ أدونيس لم يحكِ أيّ كلمة عن جرائم نظام الأسدين، حافظ وبشار الأسد، المستمرة منذ 52 سنة. لكنّ أدونيس ليس "شبّيحاً"، كما يحلو لبعض ثوّارنا أن يصفوه، فالتشبيح، إذا أردنا أن نعرِّفه، أسلوبُ مديح رخيص، وتافه، يمارسه شخصٌ، أو مجموعة أشخاص، بغية كَسب رضا نظامٍ معين، أو مجموعة بشرية، أو حتى مافيا، أو عصابة، والحصول منها على مكاسب مقابل هذا التشبيح. لا توجد أيّ صفةٍ من هذه تنطبق على أدونيس بالطبع.

النقطة الأساسية التي يأخذها كارهو أدونيس عليه قولُه في مخاطبة بشار الأسد، خلال الرسالة المفتوحة التي وجّهها إليه في صحيفة الحياة 14 يونيو/ حزيران 2011 "الرئيس المنتخب". ولتفسير هذه الصيغة، لا يمكننا الابتعاد عن فكرة "المسكوت عنه" فبشار الأسد، وقبله أبوه، لم يجلسا في سدّة الرئاسة يوماً واحداً من دون الحصول على 99% من أصواتنا، في استفتاء شعبي، لكن بالقوة. وفي انتخابات 2014، سمح بشار الأسد لأشخاص نكرات بالترشّح ضده، وأرانا كيف سحقهم سحقاً، بالاعتماد على الآليات الانتخابية الاستبدادية التي ورثها عن والده نفسها. والغريب في الأمر أنّ كارهي أدونيس لم يجدوا في الرسالة التي تتألف من 2450 كلمة سوى هاتين الكلمتين اللتين تردان في البند "ثامناً" مع أنّ أدونيس أتبع صفة "المنتخب" بدعوة بشّار إلى إجراء انتخاب من نوع آخر، إذ قال، حرفياً: ولا بدّ، بوصفك خصوصاً "رئيساً منتخباً" من أن تمهّد لتداول السلطة بموجب اقتراع حرّ بلا شروط مسبقة.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...