أسئلة محرجة إلى قمّة الدوحة الطارئة

19 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 03:39 (توقيت القدس)

مشهد من مؤتمر القمّة العربية الإسلامية في الدوحة (15/9/2025 الأناضول)

+ الخط -

لم تُظهر القمّة العربية الإسلامية في الدوحة ما هو جليّ، وهو انعدام القدرة على اتخاذ قرار حقيقي، بل أظهرت الأدهى من ذلك بوضوح، أي حالة العجز التي تجلّت في محاولة إظهار قوّة، فخرجت بصيغة بيانٍ أقرب إلى محاولة حفظ ماء الوجه، لكنها محاولة غير موفقة في التعبير عن الواقع، فكل ما كان يتطلّبه الأمر إعلان تهديد حقيقي ليحدُث تغييرٌ على أرض الواقع.

كل ما عدا ذلك إقرار بالعجز عن الصد، والعجز عن تحقيق وحدة القوى، مع وجود عددٍ لا بأس به من دول مطبّعة، أو شبه مطبّعة، لا تريد العودة عن طريق شائك مضت فيه بعيداً، وأخرى أدركت الحقيقة التي كانت تتجاهلها، أن إسرائيل قنبلة خطيرة قابلة للانفجار في كل المنطقة.

هل الإبادة في غزّة، والتعذيب الوحشي للناجين لا يكفيان لتتخذ الدول العربية والإسلامية موقفاً صارماً؟ هل اقتحام دول مجاورة، وقصف أخرى لا تشكل أي خطر مباشر على إسرائيل، ولا تنطلق من أرضها صواريخ، لا يشي بمستقبل خطير يستدعي تهديداً صريحاً؟ أي تهديد كان سينفع، ولو مجرّد رمي حجر.

لنتخيّل لو أعلنت هذه الدول عقوبات اقتصادية، كيف كان ليكون الأثر؟ مع أن قليلاً من الشجاعة كان كافياً للتلويح بأمور أهم، تشبه التهديد الإسرائيلي الذي كان صريحاً ومدوّياً. قولاً أولاً، حين هدّد نتنياهو قبل فترة باستهداف أي جهة عربية بلا استثناء، وثانياً، عبر حركته أخيراً في القيام بعمل عسكري خطير داخل دولة عربية، لا هي بالمجاورة ولا بالمهاجمة، بعد أن استباح حرمة دول مجاورة بدون تردّد، بدعوى وجود قوى معادية فيها.

ماذا ينتظر المجتمعون أكثر من هذا؟ قصفٌ أوسع لدولة أخرى؟ عملياتُ اغتيال واسعة المدى في كل الدول العربية؟ فقط ليلوّحوا بإجراءات حقيقية تفوق التنديد الشديد؟ نتنياهو يعرف العجز العربي منذ فترة، وإلا لما جرؤ على القصف، وهو شبه مطمئن أن العرب لن يهبّوا، ولن يغضبوا بشكل مقلق، والآن تأكد له الأمر.

إسبانيا التي لم يتم قصفها ولا تهديدها، ألغت صفقة سلاح بمليار دولار مع إسرائيل، والمغرب يشتري أجهزة أمنية منها إلى حد الآن. أفرادٌ مختلفون في العالم لا يمسّ الإجرام الإسرائيلي سوى ضمائرهم، أعلنوا مقاطعة العمل مع الشركات الإسرائيلية، رغم أن هذا سيؤثر على مستقبلهم المهني.

حتى لو اعتبرناها حكمة من لا يريد الانجرار إلى معارك غير محمودة العواقب، مع وكيلة الولايات المتحدة. وهم يدركون جيداً أن المعركة تقودها واشنطن لا غيرها، ولا يريدون الدخول في معركة معها. لكن الحقيقة أن واشنطن على "شجاعتها ووقاحتها" في عهد الكائن البرتقالي، تخاف أيضاً من العقوبات الاقتصادية. رأينا الكائن وهو يهدد الصّين بإجراءات جذرية، ثم رأيناه وهو يتراجع بلا تردد، حين لوّحت الصين بالمقابل. ورأيناه سابقاً في برنامج تلفزيون الواقع "المقاول" وهو يحترم المشاركين المتهورين لأنهم يمتلكون شجاعة الهجوم على المنافسين. هذا كائنٌ يعيش على فكرة الهجوم للنجاح، فكيف يُحرجه فعل خجول، متردّد، ملطّف، عديم الأثر واقعياً؟

هل عجزت القمّة العربية الإسلامية عن إطلاق تهديد واحد مقابل أطنان إسرائيلية منها؟ جديدها أخيراً إعلان الطموحات التوسعية لإسرائيل بشكل سافر، بينما كان الأمر مجرد تهويم داخلي. ألا تجد الدول المعنية الأمر خطيراً جداً، لأن التصريح به يعني أن المرحلة المقبلة هي السعي إلى التنفيذ؟

الحقيقة أن صعوبة الوصول إلى لغة أشد في البيان، لا تقف خلفها الدول والأنظمة المطبعة رسمياً وحدها، لأن التطبيع شَمل دولاً أخرى تحت الطاولة، وما كان الإعلان سوى خطوة سياسية. رغم أن الدول المطبّعة نفسها تعاني مشكلة أخرى عويصة، هي أنها تدفع ثمن التطبيع الخاضع الذي دخلت فيه برعاية أميركية، لكن أميركا الحالية، أكثر من أي وقت آخر، لا يوثق بجانبها.

لم نكن ننتظر أشياء كثيرة من القمة، لكن كنا نأمل بجُرعة شجاعة أكبر، لأن الواقع خطير جداً، لكنها اختارت لطف التنديد، أي ببساطة عدم خطو أي خطوة لدرء الخطر. ألا تعلم أن الجمود في المكان رد فعل الخائف لا فعل الحكيم؟

عائشة بلحاج
عائشة بلحاج
عائشة بلحاج
رئيسة قسم الثقافة في "العربي الجديد"، صحافية وشاعرة مغربية.
عائشة بلحاج