أزمة البندورة بين مستجدّات أردنية

أزمة البندورة بين مستجدّات أردنية

10 ابريل 2022
+ الخط -

تُسابق الحكومة الأردنية تجار السوق ونقباء التجار والصناعة لضبط أسعار السوق، في ظلّ أزمة غلاء عالمي يسأل فيها المواطن الأردني عن العلاقة بين البندورة الأردنية والحرب الروسية الأوكرانية، وعن السبب الذي يدفع وزير الداخلية، الجنرال مازن الفراية، إلى استدعاء وزراء الزراعة والصناعة والإعلام إلى مقر وزارة الداخلية لمواجهة معركة ارتفاع الأسعار، والخروج بتصريح "السلعة المرتفعة لا تشتروها". .. هذا كله في وقت شدد رئيس الحكومة، بشر الخصاونة، على حتمية الانتصار في هذه المعركة، والتهديد بالعين الحمراء ضد كل من تسوّل له نفسه العبث في الأسعار.

على أرض الواقع، بات سعر البرتقال المستورد من مصر في عمّان أقل من سعر البندوره المزروعة في الأغوار الأردنية، مع أن الأردن بلد يتميز في المنطقة والعالم بأنه ينتج الخضار والفاكهة من الأغوار في وقت يشحّ إنتاجها إقليميًا، وذلك بفعل عامل الطقس، فالأغوار منطقة منخفضة عن سطح البحر، كما يشكل حوض وادي الأردن مساحة زراعية شاسعة.

لم تفسّر الجهات الحكومية أسباب ارتفاع الأسعار جيدًا، بل اكتفت بتحديد سقوف سعرية لم يلتزم بها التجار، وتكرار الاجتماعات وتصدير البلاغة إلى الجمهور الذي يعاني على الأرض من تآكل الدخل بشكل كبير أمام فوضى الأسواق، وأمام طبيعة شهر رمضان بالنسبة لمتطلبات الأسرة، نموذح على تعاظم سلطة السوق التي يحاول وزيرا الصناعة والتجارة .. والزراعة تطويقها بجدّية وحزم بالرقابة لحماية المستهلك.

بات سعر البرتقال المستورد من مصر في عمّان أقل من سعر البندوره المزروعة في الأغوار الأردنية

خرجت تصريحات رسمية تفيد بأن سبب ارتفاع سعر البندورة الأردنية تراجع المساحة المزروعة، وربما هذا عاملٌ مهم. وكانت الحكوات المتعاقبة تناشد المزارعين بأن لا يزرعوا جميعهم المحصول نفسه في المنطقة نفسها، كما أن الشركات الكبرى في الزراعة تفيد بأن للظروف الخاصة في التصدير إلى دول الخليج مكانتها في سبب شحّ المحصول. ومع أن هذا الأمر كان سائدا منذ زمن، إلا أن الارتفاع الحالي في الأسعار غير مبرّر حتى في أوج أزمة كورونا التي كان الأردن قد تميز في أثنائها بتوفير التصدير في الخضار والفاكهة إلى دول مجاورة، واستطاع، بفعل سياسات حكومية جيدة، تأمين مخزون قمح أكثر من عام، مع التنوع في مصادر الاستيراد، بالتركيز على السوق الأميركي في استيراد القمح، على عكس دول عربية مجاورة ارتبطت بالسوقين، الروسي والأوكراني، ما شكّل لها معضلة راهنة.

نجح الأردن بتوفير القمح وتحقيق توفير مخزون كبير، وفي بناء صوامع ومخازن جديدة، أشرفت عليها وزارة الصناعة والتجارة. ووجّه الملك مرارًا الحكومات إلى جعل الأردن مركزًا للتوزيع الغذائي. وفي هذا الصدد، دخلت القوات المسلحة الأردنية على الخط بالاستثمار بمشاريع زراعية كبيرة في منطقة الغمر المستردّة من إسرائيل، كما رخّصت، أخيرا، أربع شركات استثمارية لتعاطي الاستثمار في المشاريع الغذائية الكبرى، وهو أمرٌ جيد يستفيد من طبيعة المناخ الأردني وتوفر الخبرات الفنية.

في المقابل، نجح وزير الزراعة، خالد الحنيفات، في لجم منتجي الألبان عن رفع أسعارهم، كما تخطّط وزارة الزراعة لتأسيس ثلاث كليّات بيطرية لتطوير القدرات الوطنية في تربية الحيوانات، وتعزيز التوجه نحو الاستثمار في هذا القطاع، كما يُخطط لإنشاء ميناء برّي لاستيراد الماشية من دول القرن الأفريقي ودول أخرى، والتوزيع لاحقا إلى الأسواق المحلية والإقليمية.

شهدت الانتخابات البلدية إقبالاً ضعيفاً من الشباب

وفي ظلال تغليب مشهد الأسعار والأمن الغذائي، خرج الأردن من مشهد الانتخابات البلدية التي شهدت إقبالا ضعيفا من الشباب، وأجرت الحكومة تحريكا في مياهها بخروج الوزير موسى المعايطة من فريقها، بعد نحو أكثر من عقد وزيرا في وزارتي التنمية السياسية والشؤون البرلمانية ليخلف رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات خالد الكلالده الذي انتهت مدّة رئاسته للهيئة. وهذا يعني ضمنيًا أنّ الحكومة مقبلة على تعديل بعد عيد الفطر، وإن كانت اختصاصات المعايطة في الحكومة نقلت تكليفا إلى نائب رئيس الورزاء وزير البلديات توفيق كريشان، الذي يملك علاقات قوية مع النواب في محاولةٍ من رئيس الحكومة الخصاونة لإسناد ملف العلاقة مع النواب لشخصية عشائرية ومخضرمة في العمل النيابي سابقا.

ومع أنّ مجلس الأمة، بشقيه النواب والأعيان، أقرّ قانون الانتخاب للعام 2022 وهو أحد مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، فإن الحديث عن رهانات تشكيل الأحزاب الجديدة للوصول إلى برلمان جديد بعد نحو عامين ذي أغلبية حزبية برامجية، يبدو هدفا كبيرا ومعضلة في آن، ويحتاج مناخا ديمقراطيا وفتح باب الحريات وتفاعل الحكومة بشكل أفضل مع أهداف التحديث السياسي وإصلاح الوضع الاقتصادي.

وفي السؤال عن المعارضة والحراك، تبدو الكرة أمام بقايا المجموع السياسي الفاعل في المطالبة بديمقرطية أفضل وفساد أقل، لكي تنظم نفسها وتؤطر جهودها للإفادة من حالة الانفتاح التي أتاحها قانونا الاحزاب والانتخاب الجديدان، لكي يشكل الجمهور السياسي أحزابا برامجية عريضة.

F1CF6AAE-3B90-4202-AE66-F0BE80B60867
مهند مبيضين
استاذ التاريخ العربي الحديث في الجامعة الأردنية، ويكتب في الصحافة الاردنية والعربية، له مؤلفات وبحوث عديدة في الخطاب التاريخي والتاريخ الثقافي.