أزمة الأمير حمزة ومأزق الحكم في الأردن

أزمة الأمير حمزة ومأزق الحكم في الأردن

08 ابريل 2021

حمزة بن الحسين في تسجيله المصوّر منتقدا أوضاعا في الأردن

+ الخط -

أعلنت وكالة الأنباء الأردنية، يوم السبت 3 نيسان/ أبريل 2021، عن اعتقال أجهزة الأمن عددا من الأشخاص، بينهم الشريف حسن بن زيد، ورئيس الديوان الملكي السابق، باسم عوض الله، ومدير مكتب ولي العهد السابق، الأمير حمزة بن الحسين، لأسباب تشكل تهديدًا للأمن الوطني الأردني. بينما تحدّثت وسائل إعلام أميركية عن وضع الأمير حمزة قيد الإقامة الجبرية، مع شيوع أنباء عن محاولة انقلابية. وعلى الرغم من أن الديوان الملكي نشر بيانًا موقّعًا من الأمير حمزة يضع فيه نفسه تحت تصرّف الملك، ويعلن التزامه بدستور البلاد، فإنّ نشرَ مقطع صوتي للقاءٍ عاصف بين الأمير ورئيس أركان الجيش الأردني، اللواء يوسف الحنيطي، دفع إلى التشكيك في انتهاء الأزمة. ولكن رسالة الملك إلى الأردنيين عادت وأكدت انتهاءها بوضع الأمير حمزة "تحت رعايته".

الإطار العام للأزمة

فصل "أزمة" الأمير حمزة عن الوضع العام في البلاد أمرٌ في غاية الصعوبة؛ إذ يعاني الأردن مشكلاتٍ جوهرية، سياسية واقتصادية واجتماعية، ساهمت في حصول تفاعل مجتمعي كبير مع أزمة الأمير. بهذا المعنى، صار من الصعب الفصل بين المستويين، العام والخاص، للأزمة. أما على الصعيد العام، فقد تطوّرت الأزمة السياسية الداخلية خلال الأعوام الماضية بصورة واضحة، ففي عام 2018، خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين احتجاجًا على التعديلات على قانون ضريبة الدخل، واعتصموا في عمّان قرب مقر رئاسة مجلس الوزراء (الدوّار الرابع)، وتطوّرت مطالبهم لتصبح مرتبطة بالإصلاح السياسي؛ ما أدى إلى إطاحة حكومة هاني الملقي، وتكليف عمر الرزاز بقيادة الحكومة، مع وعود بالإصلاح السياسي، وتأسيس عقد اجتماعي جديد. ولكن حكومة الرزاز لم تلبث أن تعرّضت لانتقادات شديدة من أنصار التيار المحافظ في مؤسسات الدولة؛ ما دفعها إلى التخلي عن خطابها الإصلاحي في شقه السياسي، في حين استمرّت في تنفيذ أجندتها الاقتصادية. وقد استغل خصوم الرزاز أزمة نقابة المعلمين (بدأت أزمة مهنية مرتبطة بحقوق المعلمين قبل أن تتحوّل إلى أزمة سياسية) لاتهام الحكومة بالتهاون والضعف أمام النقابة؛ ما أدى، في نهاية المطاف، إلى حل النقابة بعد تجدد الأزمة معها.

الطريقة المرتبكة التي أدارت بها الدولة والمؤسسات الإعلامية الأزمة، وتضخيم الموضوع، عاملان عزّزا من شعبية الأمير

غادر الرزاز الحكم، وجاءت حكومة بشر الخصاونة، المحسوبة على التيار المحافظ. لكن دعوة الملك إلى مراجعة التشريعات الناظمة للإصلاح السياسي وتعديل قانون الانتخاب، ورسالته إلى مدير دائرة المخابرات العامة التي دعا فيها إلى حصر دور الدائرة في الجانب الأمني، لم تؤد إلى تغيير حال الحريات العامة في البلاد أو تحسينه، بل تزامنت الرسائل الملكية مع حل حزب الشراكة والإنقاذ، واستمرار النهج الأمني في إدارة الأزمات السياسية.

في هذه الأثناء، بدأت تبرز جماعة معارضة في الخارج، وهي مجموعة من الإعلاميين المعارضين الذين انتقلوا من تبنّي خطاب إصلاحي إلى خطاب أكثر راديكالية، انتقدوا فيه الملك عبد الله الثاني مباشرة، وحاولوا إعادة صياغة قواعد اللعبة السياسية، بتجاوز الحكومات، وتركيز هجومهم على الأجهزة الأمنية، التي تدير المشهد السياسي عمليًا.  واكتسبت هذه الجماعة حضورًا غير مسبوق في المشهد الداخلي، وأخذ آلاف الأردنيين يتابعون برامجها على وسائل التواصل الاجتماعي، وتجاوزت المشاهدات في بعض الحالات المائة ألف. 

خلال أزمة الأمير، التقى خطاب المعارضة الخارجية مع الحراك الاحتجاجي الداخلي المرتبط بارتفاع معدلات البطالة والفقر، خصوصا في أوساط الشرق أردنيين الذين شكلوا تاريخيًا القاعدة الاجتماعية لجهاز الدولة في الأردن، والذين لديهم توقعات أكبر من الدولة لجهة توفير الخدمات والوظائف وغيرها، وبدا كأنّ هناك تعاطفًا مع الأمير حمزة الذي تزايد، كما يبدو، نشاطه الاجتماعي ذو الصبغة السياسية.

أما على المستوى الخاص المرتبط بشخص الأمير، الأخ غير الشقيق للملك عبد الله، فقد بدا تحرّكه كأنه مرتبط بظروف تهميشه وإبعاده؛ إذ كان وليًا للعهد في الفترة 1999-2004، قبل أن يتم إعفاؤه من منصبه تمهيدًا لتسمية ابن الملك وليًا للعهد عام 2009. لم يحضر الأمير حمزة في المشهد السياسي خلال العشرية الأولى من عهد الملك عبد الله الثاني، لكنّ خطابه النقدي عبر "تويتر" بدأ يظهر في الأعوام الثلاثة الماضية، بعد إنهاء خدمته العسكرية، وإحالته إلى التقاعد برتبة عميد في القوات المسلّحة، وأصبحت مداخلاته وتغريداته محط اهتمام لدى الرأي العام بصورة واضحة، إضافة إلى زياراته وعلاقاته الاجتماعية، وشبهه الكبير بوالده في اللغة والخطاب. 

سوف تنتهي الأزمة على الأرجح بخروج الأمير حمزة من المشهد السياسي، وربما الحياة العامة

ومع أنّه لم يطرح نفسه بديلًا أو يلمّح إلى ذلك، فإنّ حضور الأمير حمزة كان يمثل غطاء أو يعطي شرعية للأصوات المعارضة أو النقدية، وكان ذلك أمرًا غير مألوف كونه أخ الملك؛ ما طرح مقارناتٍ بينه وبين الآخرين من أفراد الأسرة الحاكمة، ودفع جماعة المعارضة إلى التلميح إليه باعتباره بديلًا؛ فأصبح يمثل تحدّيًا حقيقيًا للحكم، خصوصًا مع تسارع جهود تأهيل نجل الملك، ولي العهد الأمير الحسين، لتولي شؤون لحكم. 

بهذا المعنى، بدا حمزة حجر عثرة في طريق ولي العهد الذي كانت شعبيته في أوساط الشرق أردنيين موضع تساؤل، يغذّيه أولئك الذين ترجموا سخطهم على النظام بإشارات إلى أصول الملكة وولي العهد بوصفه ابنها. وهي لغةٌ خطيرةٌ ومرفوضةٌ لدى الرأي العام الأردني؛ لأنها بهذه الطريقة تمسّ بوحدة المملكة. ولا شك في أن هذه اللغة أضعفت موقف الأمير حمزة ذاته. 

تفجّر الأزمة

مثلّت حادثة مستشفى السلط، حيث توفي مصابون بفيروس كورونا المستجد (كوفيد -19)، بسبب الإهمال الإداري وانقطاع الأوكسجين، الشرارة التي أطلقت الأزمة، فقد سارع الملك إلى زيارة المستشفى للوقوف على الأوضاع فيها، وتمت إقالة وزير الصحة وأحيل مسؤولون في وزارة الصحة إلى القضاء. وأدت الحادثة إلى إحياء "حركة 24 آذار"، وشحنت المعارضة الخارجية الأجواء لتفجير الاحتجاجات. وحينما قام الأمير حمزة بزيارة أهالي الضحايا في السلط، اعتبر القصر الملكي ذلك رسالة استفزاز، فقد ذهب بعد الملك مباشرة، وبعدما طرد المحتجون رئيس الديوان الملكي من السلط؛ ما دفع الملك إلى إرسال ولي العهد.

بلغ التوتر ذروته، حينما هتف متظاهرون خلال إحياء ذكرى احتجاجات 24 آذار/ مارس 2011، في محافظة عجلون، باسم حمزة، وهي سابقةٌ في الحراك الشعبي والسياسي الأردني

وقد بلغ التوتر ذروته، حينما هتف متظاهرون خلال إحياء ذكرى احتجاجات 24 آذار/ مارس 2011، في محافظة عجلون، باسم حمزة، وهي سابقةٌ في الحراك الشعبي والسياسي الأردني، وتزامن ذلك مع بثّ المعارضة الخارجية لخطاب ضد الملك نفسه ومتعاطف مع حمزة، فكان القرار بإنهاء التحدّي الذي شكله الأمير قبل أن تتجذّر الأزمة.

بدأت التسريبات حول وضع الأمير حمزة تحت الإقامة الجبرية، وقطع الاتصالات عنه صباح يوم السبت (3 نيسان/ أبريل)، وهي أخبارٌ انفردت ببثها "المعارضة الخارجية". وفي اليوم التالي، عقد نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، أيمن الصفدي، مؤتمرًا صحافيًا، تحدث فيه عن إحباط محاولة لزعزعة أمن الأردن، وعن وجود دائرة محيطة بالأمير حمزة تتواصل مع المعارضة الخارجية، وعن أجنداتٍ خارجية، وعن رصد مكالمات هاتفية وتحديد أوقات ومواعيد لتنفيذ مخطط وصفته القوات المسلحة سابقًا بأنّه "بعيد المدى ومعقد". وكان هذا المؤتمر من أهم مظاهر سوء إدارة الأزمة، فقد تساءل الناس لماذا وزير الخارجية؟ وما المقصود بالقوى الخارجية؟ وهل يفترض إن يخاطب النظام الشعب الأردني بواسطة وزير الخارجية؟ من الواضح أن النظام فهم أن خطأ وقع وحاول استدراكه، وخرج الملك برسالة إلى الشعب. وربما ما كان ليحتاج إلى ذلك، لولا هذا المؤتمر الصحافي.

سجّل الأمير حمزة نقاطًا كثيرة على صعيد الشارع، وضاعف من صعوبة التمهيد لدور ولي العهد، مع أن ولاية العهد محسومةٌ وراثيًا في المملكة 

في المقابل، صدر عن الأمير حمزة تسجيلان مصورين، باللغتين الإنكليزية والعربية، تؤكد احتجازه، وتكشف حواره مع قائد الجيش، ووضعه في الإقامة الجبرية وقطع الاتصالات عنه. انتهت الأزمة بتدخل من عم الملك الأمير الحسن بن طلال، بتكليفٍ من الملك، حيث وافق الأمير على بيانٍ يؤكد فيه ولاءه للملك ولولي العهد. لكن أعقب صدور البيان تسريب صوتي لحوار جرى في منزل الأمير حمزة مع رئيس هيئة الأركان المشتركة، يظهر فيه الأمير وهو يوبّخ الأخير قبل أن يطرده؛ ما أثار شكوكًا بشأن انتهاء الأزمة. 

نتائج الأزمة وتداعياتها المستقبلية

سوف تنتهي الأزمة على الأرجح بخروج الأمير حمزة من المشهد السياسي، وربما الحياة العامة (على نحو مؤقت أو دائم)، لكنّ الطريقة المرتبكة التي أدارت بها الدولة والمؤسسات الإعلامية الأزمة، وتضخيم الموضوع، عاملان عزّزا من شعبية الأمير، ومنحاه نقاط قوة وحضورًا أكبر. وكما هو واضح، لن يسمح الملك بتحويل أحد إخوانه إلى رمز للمعارضة السياسية في أي احتجاجاتٍ مقبلة، في ظروفٍ اقتصاديةٍ وماليةٍ صعبة، يتزيدها وطأة جائحة كورونا، وفي ظل أزمة سياسية عنوانها فقدان الثقة بين الحكومة والشارع. 

وعلى الرغم من أن القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة ملتفةٌ حول الملك، ومع أن الأمير لا يحظى بأي حضور حقيقي مباشر في هذه الأوساط، فإنه سجّل نقاطًا كثيرة على صعيد الشارع، وضاعف من صعوبة التمهيد لدور ولي العهد، مع أن ولاية العهد محسومةٌ وراثيًا في المملكة، وجرّأ الشارع أكثر على انتقاد السياسات الرسمية، وأبرز دور جماعة المعارضة الخارجية المتزايد وسط المشهد الداخلي.

إذا كان للملك أن يستعيد زمام المبادرة، فمن الضروري التفكير جدّيًّا في إطلاق مسار الإصلاح السياسي، وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية في صنع القرار

وفي ضوء إعلان أكثر الدول العربية والقوى العالمية تأييدها الإجراءات التي اتخذها الملك، تبدو الإشارة إلى تورّط جهات خارجية في العبث باستقرار الأردن مجرد دعاية سياسية، وعلى الأغلب المقصود بها المعارضة الخارجية، بينما يبقى الغموض يلفّ علاقة باسم عوض الله، رئيس الديوان الملكي السابق، ومستشار الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، بالأزمة. فإذا صحّ وجود علاقة واتصالات بين الأمير وباسم عوض الله، فهذا يمسّ بصدقية الأمير لدى قطاع من الجمهور الأردني، درج على اتهام عوض الله بأنّه أحد أعمدة الفساد في الأردن.

من المتوقع بعد نشر الرسالة المكتوبة التي وجهها الملك الى الأردنيين في السابع من نيسان/ أبريل، وأعلن فيها "وأد الفتنة" ووضع الأمير حمزة "في رعايته"، أن يستمر المسار القضائي لباقي المحتجزين، ما يعني أنّ جزءًا من الأزمة انتهى، وآخر مستمر، وهو أمرٌ قد يفضي إلى حصول تغييراتٍ مهمةٍ تلحق مواقع سياسية وأمنية، بعد التقييم السلبي لإدارة الأزمة الذي أوضحته ردود الفعل الشعبية. وإذا كان للملك أن يستعيد زمام المبادرة، فمن الضروري التفكير جدّيًّا في إطلاق مسار الإصلاح السياسي، وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية في صنع القرار، ومعالجة الانطباع السائد في أوساط الرأي العام عن انتشار مظاهر الفساد، والتجاوب مع المطالبات بإنشاء عقد اجتماعي جديد، يسمح بالتعامل مع التحدّيات الصعبة التي يواجهها الأردن. كما يتطلب ذلك تخلي أجزاء من المعارضة الأردنية عن خطابٍ هوياتي يسيء إلى وحدة المملكة والشعب الأردني، ويعرقل تطور أي معارضة ديمقراطية حقيقية وبناءة.