أزمة أمير أم أزمة نظام؟

أزمة أمير أم أزمة نظام؟

07 ابريل 2021

ببغاء يلوح بالعلم الأردني في معرض للطيور في عمان (27/10/2017/فرانس برس)

+ الخط -

طوى الأردن بسلام صفحة أزمة سياسيةٍ، استندت إلى رواية مرتبكة، عرف العالم بها من صحيفة أميركية (واشنطن بوست) عن "مؤامرة" داخلية، بامتدادات خارجية، استهدفت نظام الحكم، وزعمت "تورّط" شقيق الملك فيها. وعلى الرغم من أن الأزمة لم يظهر أنها تمثل، في أيٍّ من مراحلها القصيرة، تهديدًا جدّيًا لأمن الأردن واستقراره، إلا أنها مع ذلك أثارت اهتمامًا عربيًا وعالميًا كبيرًا، لأنها جاءت على غير مألوف ما اعتاده الناس، أو عرفوه، عن تماسك نخبة الحكم في الأردن، أقلّه في العقود الخمسة الأخيرة، وقدرتها على احتواء خلافاتها وحلها بعيدا عن عيون وسائل الإعلام، كما أنها أيقظت الناس على حقيقة أن الاستقرار في العالم العربي يبقى حالة هشّة، ومعطى لا يجوز التسليم به، لمجرّد أن الأمور تبدو على السطح هكذا.

وعلى الرغم من عدم وجود أسباب، أو أبواب، للمقارنة بين النظم الجمهورية في العالم العربي (باعتبارها الأسوأ على الإطلاق) ونظيرتها الملكية، أو بين سورية والأردن خصوصا، إلا أن المرء لا يسعه تجنّب الوقوع في هذا الفخ، عندما يتحدّث عن مظاهر الاستقرار الخادع في العالم العربي، وما يعتمل تحتها من عوامل توتر واحتقان. ففي مطلع العام 2011، لم يبد في العالم العربي بلدٌ أكثر استقرارا من سورية الخارجة توًا "منتصرة" (بتعبير نظامها) من مواجهات كبرى، خاضتها مع الولايات المتحدة وحلفائها العرب (في العراق ولبنان وغزة وحتى داخل سورية نفسها). وفيما كانت الملايين تحتشد في ميدان التحرير وشوارع القاهرة تطالب بإسقاط نظام حسني مبارك، كانت تقارير الاستخبارات الغربية تشير إلى قوة النظام السوري، بأجهزته الأمنية والعسكرية، وقدرته على تجاوز الاضطرابات التي تعم المنطقة. ولم يرد أي ذكر لسورية في التقرير الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز يوم 16 فبراير/ شباط 2011، أي بعد خمسة أيام على تنحّي مبارك، وكشفت فيه أن إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، كانت طلبت في أغسطس/ آب 2010، أي قبل نحو ستة أشهر من ثورة 25 يناير، من أجهزتها الاستخباراتية دراسة احتمال اندلاع اضطرابات اجتماعية في العالم العربي، بعد تنامي مؤشّرات على حال التململ والغليان الاجتماعي التي رصدتها السفارات الأميركية في عدد من دوله. وشكلت الإدارة فريقا لدراسة الأمر برئاسة دينيس روس، مستشار أوباما لشؤون الشرق الأوسط، وعضوية مسؤولة حقوق الإنسان في مجلس الأمن القومي، شامنثا باور، ومدير "سي آي إيه"، ليون بانيتا، وآخرين. وخلص التقرير إلى أن أربعة من حلفاء الولايات المتحدة يواجهون تحدّيات محتملة: مصر، واليمن، والأردن، والبحرين. أما سورية، فقد كانت الحكمة السائدة بشأنها في أوساط الجميع، بما فيهم السفارات الغربية في دمشق (وحرص النظام على تغذيتها) أن السوريين الذين شاهدوا ما حل بالعراق من فوضى بعد الاحتلال الأميركي قد تعلموا فضائل الاستقرار، ولو تحت أكثر الأنظمة استبدادا وفسادا في العالم. وورد في برقية للسفارة الأميركية في دمشق، وكشفت عنها ويكيليكس، أن "العامة والخاصة يردّدون هنا (أي في دمشق) المقولة الشهيرة المنسوبة إلى المتصوف الكبير أبو حامد الغزالي (توفي عام 1111م) "سلطان غشوم ولا فتنة تدوم". مظاهر الاستقرار السوري، كما تبين لاحقا، لم تكن سوى وهم، يخفي وراءه فشلاً بنيوياً كبيراً، ويعاني من تصدّعات يحجبها كم هائل من النفاق الذي مارسته النخب في تشخيص الأمور وتزيينها للداخل والخارج.

مؤكّد أن الأمير حمزة (الغاضب من تهميشه واستبعاده) ما كان ليشكّل تحدّيا لنظام الحكم لولا أنه استند إلى حالة من الإحباط والتذمر الشعبي المتنامي، والناتج عن أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة، زادها سوءا انتشار الفساد وترهّل أجهزة الدولة وتفشّي وباء كورونا الذي ضغط بشدة على الأنظمة الصحية والتعليمية في البلد الذي فاخر يومًا بأنه يمتلك أحد أفضل الأنظمة الصحية والتعليمية في العالم العربي.

ربما كانت هذه الأزمة العابرة مناسبةً للالتفات جدّيا إلى المشكلات التي يعاني منها الأردن، والاستجابة لتطلعات شعبه التي ظهرت في صورة تعاطف واضح مع محنة الأمير، بدل التلطّي وراء نظرية المؤامرة الخارجية التي، حتى لو افترضنا جدلا صحتها، لا ينبغي أن تصرفنا عن حقيقة وجود مشكلة داخلية تنبغي معالجتها وبسرعة، فنحن لا نحتاج إلى بلد عربي فاشل آخر، يكفينا من الفشل ما عندنا.