أحفاد دكتور سويف والتنكيل بالأُسرات

أحفاد دكتور سويف والتنكيل بالأُسرات

04 اغسطس 2022

(محمد العامري)

+ الخط -

يخطئ خطأ فادحا من يتصوّر أنه، بسعادته الغامرة بالسلطة، وهو يعبّد لها طريقها، كي تنكّل بخصومه، قد أصبح هو نفسه في مأمنٍ من أن تنكّل السلطة نفسها، التي فرح لها وزغرد، به في يوم ما، حينما تعطي ظهرها للجميع، بعد أن تنتصر وتهيمن على الجميع، والدليل الواضح والجلي هو أحمد دومة، وما يلاقيه الآن من تعذيب في سجنه، هل كان لا بد من تلك المقدمة الموجعة؟

قد يقول قائل إن هناك أُسرات كثيرة دفعت الثمن، كأسرة دكتور محمد البلتاجي، وليس أحفاد دكتور مصطفى سويف فقط، وأسرة دكتور محمد مرسي رحمه الله، أولاده وإخوته، وأسرة المرشد محمد بديع (سجنه واستشهاد ابنه)، ولم يُفتح أي تحقيق لا في موت ابنة البلتاجي ولا موت ابن المرشد، علاوة على أسرة خيرت الشاطر، أصهاره وابنته، وغيرهم كثيرين.

لم يناقش القضاء أسرة البلتاجي في موت طفلتهم في ميدان رابعة العدوية، بعدما زوجوها في الأسبوع نفسه في السودان، كما ناقش القضاء، بحنو، صبري نخنوخ وهو في قفصه، رغم أن نخنوخ لم يكن يعمل بالأحجار الكريمة ولا في معامل الكيمياء أو الطبيعة، حينما قال له القاضي بشفقة وحنو الأب الكريم: "أمامك يا ابني درجات أخرى من التقاضي والنقض". ورغم ذلك، خرج نخنوخ من 25 سنة حكم، بعفو رئاسي، وتزوج من لبنانية، وما زال المرشد الذي على أعتاب الثمانين في محبسه، وزادت سنوات سجن البلتاجي، أستاذ في الطب، إلى ما يوازي 166 سنة وأكثر، وما زالت زوجته خارج البلاد مع ابنها وابنه في السجن منذ سنوات، فهل تستطيع منى سيف، في حديثها الجريء والموضوعي منذ أسبوع، أن تفرّق في المظالم، حينما تقع على أبدان الجميع، وكم كانت ذكيةً حينما وضّحت ذلك، ولم تسقط في ما يسقط فيه أهل اليسار جميعا ليل نهار، بالإفلات بحوارييهم وإطلاق سراحهم من أنياب السلطة من دون ذكر خصومهم ولو بكلمة. كم كانت منى سيف معتدلة في حديثها وأكثر مروءة من رجال النظريات القديمة، "كما يفعل الناصريون وغيرهم"، خلال سنوات، تعبيدا لطرق السلطة في مزيد من الآلام لخصومهم.

كانت منى سيف ذكية في حوارها مع قناة CNN عربي، وهي تدافع عن حق علاء، أخيها، وحق الجميع أيضا بلا أي تفرقة، وأن خروجه من السجن يُسعدهم، حتى وإن تنازل عن كل ما يملك، وهو غير دستوري للعلم، وهي الجنسية، وفي الوقت نفسه، لم تظلم أحدا كما يفعل "أخوة عبد الناصر دائما في حواراتهم"، وخصوصا أنها تعيش ما بين لندن والقاهرة، وتخرج من المطار بلا مضايقات كما ذكرت بكل وضوح. وكان الأحرى بها أن تنافق وتداهن السلطة، كما فعل بعضهم، كي تحصل على مزيد من المكاسب، إلا أنها ذكرت أنها قدّمت عشرات البلاغات للنائب العام، ولم يلتفت إليها، وأن السلطة أدخلت أختها سناء السجن ثلاث مرّات، وكان الأحرى بها، كما يفعل الناصريون، أن تظل ساكنةً في عملها الحقوقي، وتصمت صمت الحملان على مكاسبها وخروجها الآمن من البلاد، كما سكت ناصر أمين، ونجاد البرعي، وغيرهما، مع نهاد أبو القمصان وزوجها رحمه الله، بعدما اعتبر السجون المصرية من فئات الفنادق سبع نجوم وامتلأت عن آخرها بالبط والإوز والحمام.

نحن أمام أسرٍ في السجون دفعت الثمن وما زالت، وكان يمكن لها أن تعيش آمنة معزّزة في مكاتبها مع مرتباتها المضمونة لو فقط سكتت، وأسر تعبّد للسلطة الطرقات بالذهب وبفائض النظريات والمكائد للخصوم كي تعيش وحدها في حجر السلطة الطري، مع أن الطرقات معبدة أصلا "من 7000 سنة وأكثر". فهل يستطيع ضياء رشوان، مثلا، ولو حتى في أحلامه الاستراتيجية الوردية أن يدعو منى سيف إلى مائدة الحوار الوطني، ويتحمل كلامها وما عانته سناء في سجنها وما زال علاء رهين سجنه، أم أن الحوار الوطني فقط لمن أفرج عنهم الرئيس بعفو رئاسي فقط، كنخنوخ وقاتل سوزان تميم؟ وهل تلوّثت يده، صاحبة الملايين ومدينتي، بالدم أم لا، أم أن دماء اللبنانيات لا ينقض وضوء أصحاب الملايين في البلاد التي عرفت القوانين والعدل من فجر التاريخ؟ وهل يمتلك علاء عبد الفتاح، أو المرشد، أسودا ونمورا مثل تلك التي كان يمتلكها صبري نخنوج في منزله، كي ينال شرف العفو الرئاسي؟ وهل سيتمكّن صبري نخنوخ بذلك العفو الرئاسي من أن يقارع الدكتور جودة عبد الخالق "الحجّة بالحجّة"، على مائدة الحوار الوطني، خصوصا أن دكتور جودة قد حصل على قلادة النيل أخيرا، ومن صرح له ضياء رشوان بمائدة الحوار الوطني "بشرف العفو الرئاسي"، لا تستطيع أبدا أن تفرقه قلادة النيل، أم أن دكتور جودة عبد الخالق سوف يستنكف ذلك في مائدة الحوار، مستعينا بأدبيات الطبقة الوسطى واستعادة مكانتها في دوائر السلطة، وخصوصا بعد القلادة؟

وهل سوف يتذكر "أهل اليسار يا عين"، جهود جدة علاء عبد الفتاح دكتورة فاطمة موسى في الترجمة وحقل النقد الأدبي؟ نحن أمام مسلسل يسمّى الحوار الوطني، لا نعرف كيف سيتم إخراجه وعمل المونتاج اللازم له والإخراج أيضا، خصوصا أن داود عبد السيد قد حصل، هو الآخر، على قلادة النيل، والمخرج خالد يوسف في إجازة مفتوحة تحت سمع الدولة وبصرها، فهل يستطيع ضياء رشوان تحمّل إخراج كل هذه الأفلام وحده؟