أجواء حرب غير مسبوقة

13 يونيو 2025
+ الخط -

من دون سابق إنذار، قفزت أجواء الحرب في المنطقة على خلفية الملف النووي الإيراني إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، مع بدء الإدارة الأميركية إجلاء أفراد من بعثاتها الدبلوماسية في العراق والكويت والبحرين، من دون سببٍ وجيهٍ أو تطورٍ واضح يستحق هذه الخطوة الأميركية.

كان من المعلوم أن المفاوضات غير المباشرة التي تجرى في عُمان بين الولايات المتحدة وإيران حول الملف النووي تمرّ بمرحلة صعبة وعلى شك الانهيار، لكن جولة أخيرة كانت متوقعة بعد غدٍ الأحد (من غير الواضح ما إذا كانت ستعقد)، كان من المفترض أن تحمل في طيّاتها الإجابة النهائية عن مسار التفاوض، وما إذا كان في الإمكان تدوير زوايا المطالب الأميركية من الجمهورية الإسلامية.

فسّر كثيرون الإجراءات الأميركية بأنها تأتي في إطار الضغط على طهران لتقديم تنازلاتٍ في المفاوضات. وهذه كانت القراءة الإيرانية، التي خرجت عبر تصريح أكثر من مسؤول، وفي مقدمتهم وزير الخارجية عباس عراقجي. لكن هذه القراءة ترافقت مع تمسّك طهران بعدم تقديم التنازلات للولايات المتحدة، خصوصاً في ما يتعلق بوقف تخصيب اليورانيوم، أو توزيع اليورانيوم المخصب لدى إيران على مجموعة من الدول الطامحة إلى إطلاق برنامج نووي سلمي.

زاد تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي صدر أمس الخميس الوضع سوءاً، بعدما اتهم طهران بعدم الامتثال للضمانات النووية التي طلبتها الوكالة، إضافة إلى عدم قدرة مفتشي الوكالة على التأكد من الطبيعة المدنية للبرنامج النووي الإيراني بسبب "نقص المعلومات". ومن الغريب أن يصدر هذا التقرير غداة الأجواء الحربية السائدة حول الملف النووي الإيراني، ليصبّ الزيت على نار التوتر في المنطقة. ومن الصعب التصديق أن الأمر جاء من باب المصادفة، وليس مرتبطاً بتسريب محتوى التقرير مسبقاً، الأمر الذي أدّى في الأساس إلى ارتفاع مستوى التوتر.

في المقابل، تأتي مجموعة من المواقف الإيرانية المتناقضة في الرد على تقرير الوكالة الدولية والإجراءات الأميركية. ففي حين يؤكّد مسؤول إيراني أن لا وجود لأي تطورات عسكرية تستدعي الإجلاءات الأميركية، تعلن القوات المسلحة الإيرانية عن مناورات عسكرية مفاجئة "ستركز المناورات على مراقبة تحركات العدو وخططه". وأيضاً، وفيما يهاجم مسؤولون إيرانيون تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية ويتهمونه بأنه مسيّس، يعلنون، في الوقت نفسه، عن تشغيل مركز جديد لتخصيب اليورانيوم رداً على التصويت ضد إيران، واستبدال أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول بموقع فوردو بأجهزة من الجيل السادس.

تترافق كل هذه الأجواء مع الإعلانات الإسرائيلية المتعاقبة عن التحضير لضرب المنشآت النووية الإيرانية، التي كانت إلى وقت قريب محكومة بالفيتو الأميركي. فالرئيس الأميركي دونالد ترامب أوصل رسائل، في أكثر من مناسبة، إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بعدم التدخل لإفشال المفاوضات مع طهران. لكن يبدو الأمر مختلفاً الآن، مع الانهيار المرتقب للمفاوضات. حتى إن التبريرات الأميركية المسربة للإجلاءات ربطت الأمر بضربة إسرائيلية متوقّعة للبرنامج النووي الإيراني، ما يعني أن حدة الرفض الأميركي للضربة الإسرائيلية تراجعت، أو باتت تستخدم في إطار أدوات الضغط على طهران، أي أنها قد لا تحصل.

قد لا تكون هذه هي المرّة الأولى التي تقرع فيها طبول الحرب على إيران، لكنها اليوم أصبحت أكثر جدّية، وترسم لها سيناريوهات عسكرية أكثر تعقيداً، على غرار التحسّب لدخول إيراني إلى الكويت والبحرين ردّاً على أي ضربة عسكرية، سواء كانت أميركية أو إسرائيلية، وهو أمر لم يكن يذكر سابقاً ضمن التداعيات المحتملة للحرب على إيران.

من المرجّح أن تستمر هذه المعطيات الحربية غير المسبوقة في الساعات القليلة المقبلة، بانتظار مصير اجتماع الأحد بين مبعوثي الولايات المتحدة وإيران، والذي سيتحدّد على أساسه أي مسار ستسلكه أجواء التصعيد.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".