أبي أحمد في مقديشو... حَمَلٌ أم ثعلب؟

06 مارس 2025

حسن شيخ محمود (يمين) وأبي أحمد في مقديشو (27/2/2025 الأناضول)

+ الخط -

حلَّ رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد ضيفاً في مقديشو (نهاية فبراير/ شباط الماضي) للمرّة الأولى بعد اندلاع الأزمة الدبلوماسية بين الجارتَين، إثيوبيا والصومال، مطلع عام 2024، والتي افتعلها أبي أحمد نفسه بإمضائه مذكّرة تفاهم مثيرة للجدل مع إقليم أرض الصومال غير المعترف به دولياً، من دون وجود مبرّرات أو نيّات إثيوبية مسبقة للجنوح نحو هذا الاتجاه، ما خلط الأوراق الإقليمية للوصول إلى غاية إثيوبية بدأ بتهديداته المُعلَنة (والمبكّرة) للوصول إلى منفذ بحري، باعتبار ذلك حقّاً إثيوبياً طبيعياً استجابةً للانفجار السكّاني الهائل في بلاده. لكن ما بدا حقّاً طبيعياً بالنسبة لإثيوبيا أوشك أن يُفجّر حرباً إقليميةً على الموانئ في المنطقة.

بالزغاريد والرقصات الشعبية، استقبل الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، رئيس الحكومة الإثيوبية أبي أحمد في مطار مقديشو، ليُنقل بعد ذلك إلى القصر الرئاسي، زيارة فسّرها الجانب الصومالي بأنها تعكس تقارباً بين البلدَين، لطيّ صفحة الخلافات، وبدء مرحلةٍ جديدةٍ من التعاون الأمني والاقتصادي. بعد ساعات قليلةٍ، انتهت زيارة أبي أحمد الخاطفة، لكنّها حملت دلالات عدّة مفادها بأنها عكست اهتماماً إثيوبيا ببناء علاقات جيّدة مع الصومال، على عكس ما يُشاع إعلامياً ويُثار في الفضاء الدبلوماسي، وجاء ذلك في قول وزير الإعلام الصومالي، داود أويس، في مؤتمر صحافي إن هذا اللقاء يهدف إلى جسر الهُوَّة بين الدولتَين، ويعكس تقارباً بين القيادَتين. ... وكأنّ القيادة الصومالية ابتلعت الطعم الإثيوبي بسهولة وعلى معدة خاوية.

وجاء في البيان الصحافي المشترك بين الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي تأكيد مشاركة القوات الإثيوبية ضمن قوات حفظ السلام الأفريقية الجديدة (أوصوم)، بحصّة 2500 جندي إثيوبي، ما يعني أن زيارة أبي أحمد قد حقّقت أهدافها على الأقلّ. أمّا في الجانب الصومالي، فلم يُعرف بعد ما كانت الأجندات التي حملتها القيادة الصومالية أوراقَ مساومةٍ للتفاوض مع الجانب الإثيوبي، وهل انحصرت أهدافها في ليّ أذرع إثيوبيا في الشأن الصومالي الداخلي، والجنوح نحو الحكومة المركزية في مقديشو، لتحقيق أجنداتٍ خاصّة على حساب الأجندات الوطنية. كذلك لم يراعِ الصومال في دبلوماسيته الخارجية موقف مصر وإريتريا تجاه التطبيع المفاجئ مع إثيوبيا من دون تطميناتٍ صومالية، بعيداً من الزيارات التي أجراها وزير الخارجية الصومالي، أحمد معلم فقي، إلى مصر بعد إعلان أنقرة مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

يبدو أن الطرف الصومالي يفاوض تحت ضغط الإكراه بعد تعاون أبي أحمد مع أرض الصومال إقليماً منفصلاً

فتح التفاوض دبلوماسياً مع إثيوبيا في ما يخصّ الوصول إلى منفذ بحري في المياه الصومالية (المحيط الهندي أو البحر الأحمر)، وقبول هذه المفاوضات، يعدّان بالنسبة للرأي العام المحلّي خسارةً مدوّيةً للدبلوماسية بكلّ المقاييس، وكأن أبي أحمد انتصر بدهائه في فرض واقع الأمر على الصومال، بذريعة أن الوصول إلى البحر (سلماً أو حرباً) غاية إثيوبية لا تراجع عنها. ويبدو أن الطرف الصومالي يفاوض تحت ضغط الإكراه، نتيجة سياسات أبي أحمد للتعاون مع "أرض الصومال" إقليماً منفصلاً عن الصومال، مثلما تفعل شركة موانئ دبي الإماراتية، أو من خلال تجييش الرأي العام الداخلي ضدّ حكومة حسن شيخ محمود بدخول صفقات واتفاقيات مع الولايات الفيدرالية، خاصّة ولايتي بونتلاند وجوبالاند، ورفضت تلك الولايات سابقاً إغلاق قنصليات إثيوبية عام 2024، بحجّة أن الحكومة المركزية في مقديشو لا تستطيع أن تمدّ يدها إلى هذه المناطق، ما يعني أن التفاوض مع إثيوبيا، مع وجود تلك الإشكالات في البيت الصومالي، خسارة لم يُحسب لها ألف حساب من القيادة الصومالية، التي لا تمعن النظر في خطواتها الدبلوماسية تعاطياً مع المسألة الإثيوبية.

المقاربة المصرية تجاه التقارب الإثيوبي الصومالي هي بيت القصيد راهناً، فالقاهرة أعطت ثقلها وأبدت استعدادها للتعاون مع القيادة الصومالية بإبرام اتفاقيات اقتصادية وعسكرية مع الصومال، وهو ما يُعدّ تغيّراً كبيراً في التوجّه المصري نحو الصومال، الذي قفز دفعةً واحدةً من الهامش إلى الصدارة. وفي أي مؤتمر صحافي يعقده، لا تغيب مفردة "الصومال" من خطابات وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، منذ الأزمة الصومالية الإثيوبية، تأكيداً على أهمية استقلال التراب الصومالي ووحدته، ما يشي أن مقديشو صارت رقماً صعباً في المحور المصري الإريتري ضدّ إثيوبيا، لكن هذا المشهد سرعان ما تبدّل بعد إعلان أنقرة، ونجاح أبي أحمد في اللعب على التوازنات الإقليمية، وقلب الطاولة لصالحه، بعد أن أقنع الوسيط التركي بضرورة بدء المفاوضات مع القيادة الصومالية، من دون الانسحاب من مذكّرة التفاهم التي يصوّرها الجانب الصومالي أنها أضحت في حُكم الملغي، من دون أن يتطرّق أبي أحمد إلى هذا الملفّ. والتركيز في قضيته الأساسية التي يُردّدها في خطاباتها، وهي "التكامل الإقليمي"، الذي يعني حيازةَ منفذٍ بحريٍّ في المياه الصومالية لأغراض عسكرية أو تجارية، متجاهلاً العرض الجيبوتي لمنح أديس أبابا ميناء تاجوراء، لإنهاء النزاع الدبلوماسي في المنطقة.

أوراق الضغط التي بحوزة الصومال في المفاوضات مع إثيوبيا ليست واضحةً

أوراق الضغط التي بحوزة الصومال في المفاوضات مع إثيوبيا ليست واضحةً، سوى أن الصومال يردّد جهاراً نهاراً مسألة الحفاظ على وحدة ترابه، وصون جغرافيته من الطمع الإثيوبي. على الأقلّ، نجحت مقديشو دبلوماسياً في منع أبي أحمد من الذهاب بعيداً نحو طموحه الوصول إلى منفذ بحري، اتساقاً مع رغبة "أرض الصومال"، ومنحها الاعتراف من حكومة أديس أبابا، لكن الحكومة الصومالية لم تنجح في قطع صلات إثيوبيا بالولايات الفيدرالية (بونتلاند وجوبالاند)، وهي نقطة ضعف الحكومة الصومالية في كل مفاوضات جديدة مع إثيوبيا، كما أن ضمان مشاركة القوات الإثيوبية في مهمّة حفظ السلام الأفريقية جنباً إلى جنب مع القوات المصرية (نحو ألف جندي)، ستخلط الأوراق الإقليمية، فرؤية مصر نحو التقارب الصومالي الإثيوبي ليست مطمئنة على ما يبدو، ويمثّل هذا الانفتاح بين الجارتَين تحدّياً للتموضع المصري، خاصّة مع دخول تركيا بقوّة في خطّ الوساطة، ونجاح عملية أنقرة في إذابة الجليد بين مقديشو وأديس أبابا من دون مشاورة القاهرة أو مشاركة معها، لكن الأخيرة تدرك جيّداً مدى أهمية أن يبني الصومال شراكاته الإقليمية وعلاقاته الخارجية انطلاقاً من مصلحة صومالية صِرفة، وما يخدم للتهدئة وخفض صيحات التوتّر، انطلاقاً من مقولة أهل مكّة أدرى بشعابها.

تعكس خطابات أبي أحمد الشعبوية، وتحرّكاته الإقليمية (وآخرها في مقديشو) محاولته القفز من قارب تشتعل فيه النار وسط موجات من القلاقل والمخاوف من إمكانية عودة الحرب الطاحنة إلى إثيوبيا، نتيجة فشل جهود حكومته منذ عام 2022 في وقف النزاعات بين الإثنيات الإثيوبية، مع إمكانية أن يتجدّد الصراع في إقليم تيغراي مرّة أخرى، أو عودة طاحونة الحرب بين إريتريا وإثيوبيا، إذ اتّهم الرئيس الإثيوبي السابق مولاتو تيشومي الرئيسَ الإريتري، أسياس أفورقي، بمحاولة "استغلال الانقسامات داخل جبهة تحرير شعب لإضعاف اتفاق بريتوريا للسلام"، محذّراً من أن مثل هذه الإجراءات قد "تشعل الحرب من جديد في شمال إثيوبيا"، وهو ما نفته إريتريا، ما يوحي بأن أولى صور الحرب شرارة تبدأ من طرف لسان لتنتهي بحرب طاحنة تجعل الحرب السودانية مجرّد لعب أطفال مقارنةً بحربٍ جديدة في شمال إثيوبيا.

إعلامي وباحث صومالي
إعلامي وباحث صومالي
الشافعي أبتدون
الشافعي أتبدون: إعلامي وباحث صومالي حاصل على ماجستير الصحافة من المدرسة العليا للصحافة والتواصل في باريس، صدر له كتاب "الفيدرالية في الصومال: أطماع التقسيم وتحديات الوحدة". لديه أبحاث ومقالات منشورة في مواقع ومراكز عربية وأجنبية.
الشافعي أبتدون