أبعد من اعتداء على سورية مسنّة في تركيا

أبعد من اعتداء على سورية مسنّة في تركيا

05 يونيو 2022

(بول غيراغوسيان)

+ الخط -

أحدث مقطع فيديو انتشر أخيراً، ويظهر فيه شاب تركي يركل مسنّة سورية على وجهها في غازي عنتاب، ضجّة كبيرة في الشارع التركي، وغضباً شديداً في أوساط اللاجئين السوريين. ولاقت الحادثة إدانة ناشطين كثيرين، فيما فتحت السلطات التركية تحقيقاً، فأصدر والي المدينة، داود غل، بياناً أكّد فيه احتجاز المدّعي العام المعتدي، الذي تبيّن أنّ له سجلاً جنائياً يتعلق بالمخدّرات والسرقات، بحسب تقارير صحافية تركية.

وبالنظر إلى المشهد الصادم لحادثة الاعتداء وإرهاصاتها، فإنّها أثارت موجة واسعة من التضامن والتعاطف مع السيدة، وخصوصا من جمعيات حقوقية وقادة في حزب العدالة والتنمية (الحاكم)، حيث أجرى رئيس اللجنة الإدارية في البرلمان التركي، النائب من "العدالة والتنمية" علي شاهين، اتصالاً بالمسنّة التي تمكث في أحد مستشفيات غازي عنتاب، للاطمئنان على حالتها، ودان الحادثة المتحدّث باسم الحزب، عمر جيليك، معتبراً أنّ "العنف ضد والدتنا ليلى محمد البالغة 70 عاماً أحزننا جميعاً" وأنّ "كلّ أفراد أمتنا الواعين يقفون إلى جانب الوالدة الضحية".

تعاني السيدة من خرف وعائي، متزامن مع ألزهايمر، منذ مدة، ومن مشكلاتٍ في الذاكرة، مثل التشوُّش وتراجع القدرة على تنظيم الأفكار والتصرّفات، وانخفاض القدرة على تحليل المواقف. ولاعتداء الشاب التركي عليها حيثياته الخاصة، ويضاف إلى جملة اعتداءات تعرّض لها لاجئون سوريون في بعض المدن التركية، ولا يخرج عن إطار حملات الكراهية والعنصرية وموجاتهما ضد اللاجئين السوريين التي زادت أخيراً، وذلك بعدما تغذّت من خطاب أغلب قادة أحزاب المعارضة التركية، بمن فيهم زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كلجدار أوغلو، الذي لا يكلّ من تكرار وعده بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم "خلال عامين مع الطبل والزمر" فور تسلّم حزبه السلطة. وكذلك زعيمة الحزب الجيد، ميرال أكشنير، فضلاً عن الخطاب العنصري الذي تعمل على بثّه الأحزاب القومية وأحزاب اليمين المتطرّف خصوصا، مثل "النصر"، برئاسة أوميت أوزداغ، الذي لا يطرح سوى قضية طرد اللاجئين، ويبدو حزبه وكأنه حزب شخص واحد، ولا يمتلك سوى قضية واحدة.

توظّف قضية اللاجئين ورقةً في البازار الانتخابي، لكسب صوت الناخب التركي

ولا تبتعد حيثيات الاعتداء على المسنّة السورية عما أثارته حملات تحريض مستمرّة، بوصفها من نتاجات الخطاب الشعبوي التحريضي ضد الوجود السوري في تركيا، وعدم اتخاذ إجراءاتٍ عقابيةٍ كافية لردع منتجيه ومروّجيه، خصوصاً أنه خطابٌ يأخذ منحىً تصاعدياً مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية التركية في العام 2023، إذ توظّف قضية اللاجئين ورقةً في البازار الانتخابي، لكسب صوت الناخب التركي. وتأتي الحادثة بالتزامن مع تحوّل مسألة إعادة اللاجئين السوريين إلى مادّة يومية لأغلب وسائل الإعلام التركي، وارتفاع حدّة الأصوات الداعية إلى طردهم من تركيا، كما في بعض وسائل إعلام المعارضة، أو إلى إعادتهم إلى سورية ضمن "العودة الطوعية"، كما في وسائل الإعلام المقرّبة من الحكومة، الأمر الذي يزيد منسوب الكراهية ضدّهم، وتحميلهم وزر (وأسباب) ما يعانيه عامة الأتراك من تبعات الأزمة الاقتصادية والصعوبات المعيشية منذ سنوات.

ويعود رواج خطاب كراهية السوريين والعنصرية ضدّهم إلى التحريض الكامن في مفردات (وبنية) الخطاب القومي الشعوبي لقادة الأحزاب التركية، بيمينها ويسارها، وذلك كي يغطّوا على افتقادهم برامج وخططاً عملية لمعالجة تردّي الأوضاع المعيشية وتقديم اقتراحاتٍ حقيقية لمعالجة أزمات الاقتصاد وقضايا الفساد والحكم والحريات، خصوصاً قادة حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد وحزب النصر، ومن دار في فلكهم. وباستثناء حزب الشعب الجمهوري، فإن هذه الأحزاب لا تمتلك قاعدة شعبية عريضة، بل ثلّة من القوميين المتشدّدين، وجميعها تعتاش من خطاب كاره للآخر.

يعود رواج كراهية السوريين إلى تحريض الخطاب القومي الشعوبي لقادة الأحزاب التركية

وبات أصحاب الخطاب القومي الشعوبي، خصوصاً قادة أحزاب اليمين المتطرّف، مثل أوميت أوزداغ Ümit Özdağ، وبعض غلاة الكارهين للآخر والمطالبين بطرد السوريين، مثل رئيس بلدية بولو تاتجو أوزجان، يحظون بمساحات إعلامية واسعة، ويظهرون بشكل متكرّر على شاشات وسائل الإعلام التركية، إلى جانب نشاطهم على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي، ولقاءاتهم مع الجمهور العام في الشوارع والساحات والمنازل، فضلاً عن استطلاعات الرأي التي تتناول حصرياً الوجود السوري في تركيا، الأمر الذي أفضى إلى تكوين رأي عام في الشارع التركي كارهٍ للسوريين، انعكس في حوادث عنفٍ ضدهم، مثل حرق ثلاثة شبان سوريين في إزمير العام الفائت، وركل المسنّة السورية في غازي عينتاب، وسواهما.

ويركز الخطاب القومي الشعبوي للأحزاب القومية المتطرّفة في تركيا على قضية واحدة، معاداة اللاجئين، خصوصاً السوريين، محاولاً إثارة الشعور بالتهديد والخوف عبر إظهار الأجانب سبب قلق الأتراك، بدلاً من البحث عن حلول لمشكلات المجتمع الأساسية، ثم يضع جميع الأحزاب الحاكمة والمعارضة في سلة واحدة، فيما يضع في سلة أخرى أفراد الشعب الذين يخاطبهم، ويحاول إنقاذهم من "الغزو الصامت" الذي يهدّدهم، والذي سمحت النخب الشريرة به. لذلك لم يتوانَ أوميت أوزداغ عن الإقرار بأنّه هو من أنتج الفيلم العنصري القصير "الغزو الصامت" الذي انتشر أخيراً في تركيا، ويصوّر إسطنبول في 3 مايو/ أيار 2043 وكأنها مدينة أشباح، ويعتريها الخراب والدمار نتيجة سيطرة السوريين على كلّ شيء فيها، وأنّ السوريين يطاردون الأتراك في شوارعها. أما رئيس "ولاية إسطنبول" السوري، فيصبح رئيساً للدولة التركية في الانتخابات الرئاسية. وعليه، يحذر الفيلم سائر الأتراك من اللاجئين السوريين، ويطالبهم بإجراءات ضدهم، لأنّه "إذا لم تفعلوا شيئاً اليوم، فسيحدث مثل هذا غداً".

5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".