آراء دينية غير محبطة

آراء دينية غير محبطة

13 أكتوبر 2020
+ الخط -

أسعدني، بقدر ما أدهشني، ما نشره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في الدوحة، من نتائج المؤشر العربي السنوي لعام 2019 – 2020، وهو استطلاع دوري، سنوي، بدأ في عام 2011، كما أنه الإستطلاع الأضخم، والأدق، من بين استطلاعات الرأي العربية، التي تطارد الآراء (الحقيقية) للمواطن العربي، في موضوعات شائكة، سياسية واقتصادية واجتماعية. شمل الاستطلاع 13 بلدا عربيا: موريتانيا، والمغرب، والجزائر، وتونس، ومصر، والسودان، وفلسطين، ولبنان، والأردن، والعراق، والسعودية، والكويت، وقطر، وتواصل مع 28 ألف شخص، وشارك في تنفيذه 900 باحث وباحثة، عن طريق المقابلة الشخصية، وليس الإستفتاء عبر الهاتف أو الإنترنت، وهو جهد كبير يمنح التقرير أهمية وموثوقية.
لفت نظري، من بين نتائج (ومواقف) كثيرة، أن أغلبية الرأي العام العربي بنسبة 65% يرفضون تكفير من ينتمون إلى أديان أخرى، أو من لديهم وجهات نظر مختلفة في تفسير الدين، وأن الغالبية بنسبة 61% لا تميز في التعامل الإقتصادي والإجتماعي والسياسي سلبيا أو إيجابيا بين المتدينين وغير المتدينين، كما أن نسبة 71% ترفض أن تستخدم الدولة الدين للحصول على تأييد الناس لسياساتها، أو أن يستخدم المترشحون للانتخابات الدين من أجل كسب الأصوات.
طرح الاستفتاء ستة اختيارات للإجابة: (أوافق بشدة، وأوافق، وأعارض، وأعارض بشدة، وأرفض الإجابة، ولا أعرف). واختار المصريون "أوافق بشدة" بنسبة 60% من العينة، على عدم تكفير أصحاب الديانات الأخرى، واختاروا "أوافق" بنسبة 26% على المقولة نفسها، ولم ينحز إلى التكفير سوى 3% (أعارض)، و3% (أعارض بشدة). تعد النتيجة مفاجئة، بالنظر إلى الخطاب الديني في مصر، والمشاعر السلبية المكثفة، من اليأس والإحباط والقرف، التي تمنحنا إياها تعليقات مواقع التواصل الاجتماعي، على أي نقاش ديني، وما يتداوله أو يشاركه نشطاء مهتمون، ومغتمّون، من منشورات وتغريدات وتعليقات واستجابات، مزعجة، تشير إلى اتجاه غالبية المتدينين إلى التطرّف والنطاعة والجهل الشديد، ومن شعبيات ومكانات اكتسبها دعاة ووعّاظ شعبويون يشتغلون على خطابٍ يقترب من الداعشية، ويقوم على التكفير والتطييف والعنصرية البغيضة، ويصفها بأنها صحيح الدين، ويبشّر بقدومها على أجنحة الذيوع والانتشار، وأحيانا المؤسسة الدينية، وهو ما يثبت مؤشّر المركز العربي، واختيارات عينات من آلاف المصريين أنه غير دقيق.
تبدو الصورة مركبة، وتنطوي على كثير مما يستحق النقاش والمراجعة وإعادة النظر. الأغلبية لا تصنع المعرفة، بطبيعة الحال، قد يصيب واحد ويخطئ ألف. كما أن الإجابات المبدئية، المجرّدة، لا تعكس بالضرورة واقع التطبيق، فنحن نعلن ونتبنّى ونروّج، صادقين، أفكارا كثيرة، ثم لا يسعنا تطبيقها، على أنفسنا، بشكل عملي، إلا أن النتائج، في مجملها، تشير إلى "استعداد" للتغيير، يحتاج إلى من يدعمه، مشروع دولة "هيهات في ظل السيسي"، أو جهود مؤسسية، الأزهر مثلا، أعانه الله، أو محاولات، و"معافرات" فردية، تحتاج، بدورها، أن تكون جماعيةً ومنظمة، لكتاب وصحافيين ومثقفين وباحثين وأكاديميين، ومشايخ ورجال دين يسبحون ضد تيار الأجهزة الأمنية، تشير النتائج إلى أمل، "ونس"، لسنا وحدنا من يضيره مآلات الخطاب الديني على يد الدولة وتيارات الغضب الديني. كما أن المصريين، وغيرهم، يثبتون أنهم أوعى من وعّاظهم بالحدس والفطر السوية، والتورّط الحقيقي في مجريات الحياة ومعضلاتها، ولديهم ما يسندهم من آراء وأفكار، في تراثهم، البعيد والقريب، لشيوخٍ لا يطلقون فتاواهم من أبراج المراقبة العلمائية، من ابن نجيم الحنفي الذي رفض، في كتابه "الأشباه والنظائر"، وصف الذمّي بالكافر، ورأى معاقبة من يفعل ذلك من المسلمين، إلى محمد رشيد رضا، في مجلة المنار، الذي أقام وزنا معتبرا للدلالة العرفية لكلمة كافر في المجال العام، ورفض استخدامها. وبينهما وقبلهما وبعدهما كثيرون، يحتاجون لمن يستدعيهم، ويزيل عنهم غبار التجاهل، ويملأ بهم فضاءات المعرفة، ويحرّض من أجل مزيد من الحفر في تراثٍ كبير وعميق، يتعرّض اليوم لظلم وبخس شديدين، على يد من يتبنّونه، ربما، أكثر ممن يعادونه، كما يشجع على إبداع خطاباتٍ جديدة، وفهم جديد لزمن جديد.

3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
محمد طلبة رضوان
محمد طلبة رضوان