"لا مستقبل للسوريين مع القاتل"

"لا مستقبل للسوريين مع القاتل"

28 مايو 2021

لافتة في درعا جنوب سورية (25/5/2021/وسائل التواصل)

+ الخط -

قبل يوم من مهزلة الانتخابات السورية، قال المتظاهرون في درعا البلد كلمتهم: "لا مستقبل للسوريين مع القاتل". بعد عقد كامل على الثورة، لم يضيع المتظاهرون السوريون بوصلتهم. بالنسبة إليهم، الأمر بهذه البساطة. طالما أن بشار الأسد موجود في الحكم لا مستقبل للسوريين. هؤلاء تحديداً يدركون واقعهم جيداً. ليسوا لا حالمين ولا متوهمين أن سقوطه قريب، أو أنهم لا يزالون في المرحلة الأولى من عمر الثورة، عندما كانت حراكاً شعبياً خالصاً، بلا تدخلات لا من دول ولا من كيانات سياسية وعسكرية تتسلق عليهم. كما أنهم تخلصوا من وهم قدرة أي طرفٍ خارجيٍّ على مساعدتهم، أو وضع حد لإجرام النظام. تعلموا من كيسهم، تحديداً من عشرات المجازر التي ارتكبت بحقهم من دون أي رادع.

مع ذلك، يدركون أن المعركة مع الديكتاتور طويلة ومكلفة. ولا يزالون يؤمنون بمبادئ ثورتهم، لأنها السبيل الوحيد لخلاصهم. عشر سنوات من القتل بأنواع الأسلحة كافة، والاستعانة بمليشيات متعدّدة، وحتى بدولة بحجم روسيا، لم تغير من قناعتهم. هم لم يخيّروا يوماً بين الإصلاح الحقيقي والثورة، ففضلوا الثانية نزقاً أو ترفاً. جلّ ما منحوا كان الاختيار بين الخضوع والذل عقودا طويلة بلا أي نهاية مأمولة وبين الموت أو السجن أو التهجير والنزوح. دفعوا ثمن نضالاتهم، والخيانات التي تعرّضوا لها من المتسلقين، دماءً كثيرة، ودماراً لمدنهم وقراهم لا مثيل له، ومع ذلك صمدوا. يدركون أن المعركة لن تنتهي قريباً، ما بدأ به جيل انحاز إلى الربيع العربي، والأمل بتحوّل ديمقراطي يحقق لهم تطلعاتهم في العيش الكريم والأمان والحرية وعدم الخوف، لا بد أن يستمر، وأن الوصول إلى ذلك لا يمكن أن يحدث في ظل استمرار الأسد وطغمته في الحكم.

ميزة تظاهرة درعا البلد، وإنْ ضمّت محتجين بالعشرات، لا بالمئات أو الآلاف، ليس فقط لأنها انطلقت من مهد الثورة، لتؤكد أن كل الإجرام الذي مارسه النظام لم يثمر له ما أراده، بل لأنها أعادت التذكير بالبوصلة، تماماً مثل التظاهرة التي خرجت في إدلب يوم "الانتخابات" بمطلب واحد: الخلاص من هذا النظام لا المصالحة معه. في الأساس، لا عدالة من دون محاسبة حقيقية. والمحاسبة، في الحالة السورية، تبدأ من إسقاط هذا النظام وتفكيكه. ولولا أن النظام نفسه يدرك جيداً أن جميع جرائمه ومجازره لم تحقق له ما أراد من ادّعاء انتصار لما كانت ممارساته في الآونة الأخيرة، بما في ذلك الاستماتة للزعم بنجاح تمثيلية الانتخابات، والرهان عليها لإعادة تطبيع علاقاته الخارجية، تبدأ مع دول عربية، على أمل أن تقود إلى أخرى دولية. وعلى الرغم من قول الأسد "إن قيمة آراء الغرب صفر"، رداً على البيان الرباعي الفرنسي والألماني والإيطالي والبريطاني، الذي اعتبر أن الانتخابات غير حرّة أو نزيهة.. فلا آراء الدول الغربية تساوي صفراً لديه ولا انتخاباته حقيقة. وإذا كان قادراً على محاولة ادعاء إنجازها بأجواء "ديمقراطية" في مناطق سيطرته، على الرغم من كل شهادات الإكراه والترهيب واقتياد الموظفين من أجل التصويت له، علانية أو بالنيابة عنهم، في استحقاقٍ كانت نتائجه محسومة سلفاً، فإنه كان وسيبقى غير قادر على الزعم أنها جرت على كامل الأراضي السورية، جرّاء وجود مناطق كاملة خارج سيطرته. وبالتالي، الحقيقة الوحيدة والراسخة أن ما جرى لا يمثل الشعب السوري الذي يوجد ملايين منه في بلدان اللجوء هرباً من بطش النظام، فحتى في بلد مثل لبنان، لا يزال النظام يتمتع فيه بالسطوة والنفوذ، وقادر على الترهيب، لم تفلح جميع ممارسات أزلامه وعراضاتهم، في دفع أكثر من 50 ألف سوري، بحسب الرقم المتداول، للمشاركة في الانتخابات من أصل أكثر من مليون ونصف المليون يوجدون فيه، ويدركون بدورهم أن مستقبلهم لا يمكن أن يلتقي مع استمرار الأسد في الحكم.

جمانة فرحات
جمانة فرحات
جمانة فرحات
صحافية لبنانية. رئيسة القسم السياسي في "العربي الجديد". عملت في عدة صحف ومواقع ودوريات لبنانية وعربية تعنى بالعلاقات الدولية وشؤون اللاجئين في المنطقة العربية.
جمانة فرحات