"طالبان" بوجهين

"طالبان" بوجهين

20 اغسطس 2021
+ الخط -

من الذي يلعب بعدّادات المنطقة؟ هذا التساؤل الساخر يحضر كثيراً عندما تتوالى أحداث سياسية غير متوقعة، خصوصاً في الشرق الأوسط. أما في أفغانستان التي تشهد تحوّلات متسارعة بسيطرة حركة طالبان على البلاد ودخول العاصمة كابول، فمن "لعب بالعدّادات" كانت الولايات المتحدة.

اتخذت أميركا منذ سنوات قرارها بأن هذه الحرب التي شنّت في أعقاب اعتداءات "11 سبتمبر" في 2001 لم تعد مجدية. لا هي قادرة على هزيمة "طالبان" كما كانت تخطط، ولا هي باستطاعتها "بناء دولة" قوية، وإن كان الرئيس الحالي، جو بايدن، حاول التنصّل في مؤتمره الصحافي قبل أيام من هذه المهمة.

ما يجري في أفغانستان ليس مفاجئاً، ليس فقط لأن هذا البلد "مقبرة الغزاة"، بل لأن لا شيء كان يسير على ما يرام. ولذلك لم يكن بايدن متردّداً في السير على خطى دونالد ترامب، والمضي في الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الحركة. أدركت الولايات المتحدة مبكراً أن الحرب فاشلة، وأن كل من في السلطة فاسدون. جيش وهمي لا أحد يملك القدرة على معرفة تعداده الحقيقي، ولا هو أثبت أنه قادرٌ على قتال الحركة في إقليم واحد. أمراء حرب انتقلوا من الجبهات إلى الحكم ليتناتشوا على الكراسي وكل ما يستطيعون سرقته. وفوق ذلك كله، لا جدوى من أي منهم بمن في ذلك الرئيس المستقيل، أشرف غني، الذي وصفته واشنطن بأنه لم يعد له أي دور.

في مقابل ذلك، فضلت واشنطن التعامل مع "طالبان". سلّمت بنفوذها وقوتها. لم تكن أميركا يوماً تهتم بالأفغان ومصيرهم، بل بمصالحها حصراً. لذلك أهم البنود التي تم التوصل إليها في الاتفاق مع الحركة لم تكن تلك المشتقة من عنوانه "إحلال السلام"، بل الجزء الذي ينص على أن "إمارة أفغانستان الإسلامية"، والمعروفة باسم طالبان، "لن تسمح لأي من أفرادها أو أفراد الجماعات الأخرى، بما فيها القاعدة، باستخدام أراضي أفغانستان لتهديد أمن الولايات المتحدة وحلفائها"، وسترسل "رسالة واضحة بأن أولئك الذين يشكلون تهديداً لأمن الولايات المتحدة وحلفائها ليس لهم مكان في أفغانستان وستصدر تعليمات لأفرادها بألا يتعاونوا مع الجماعات أو الأفراد الذين يهددون أمن الولايات المتحدة وحلفائها". وبموجب الاتفاق أيضاً، ستمنع الحركة "أي جماعة أو فرد في أفغانستان من تهديد أمن الولايات المتحدة وحلفائها، وستمنعهم أيضا من تجنيدهم وتدريبهم وتمويلهم ولن تستضيفهم وفقا للتعهدات الواردة في الاتفاقية".

هذا عملياً كل ما يعني الولايات المتحدة. أما الحفاظ على نظام ديمقراطي، لو بالحدّ الأدنى في أفغانستان فليس في قائمة الاهتمامات. وكذلك الأمر بالنسبة لوضع النساء في عهد "طالبان" وحقهن في العمل والتعليم من دون مضايقات. يمكن الاكتفاء بتصريحات طنّانة لحفظ ماء الوجه.

لهذا السبب، كانت "طالبان" تعتمد في الأيام الماضية مساراً واضحاً، عنوانه الأساس تطمين الخارج. تكرّرت رسائل الطمأنة على لسان جميع مسؤولي الحركة الذين خرجوا بتصريحات عقب الهيمنة على البلاد. بدا هؤلاء عملياً كمن يحملون في جيوبهم ورقة بالمطالب الأميركية، ويحرصون على تكيف تصريحاتهم، بما يشير إلى نيتهم الالتزام بها. أما في الداخل فتظهر الحركة جرأة أكثر في الإعلان عن توجهاتها للفترة المقبلة، فهي أكدت أن "أفغانستان لن تكون دولة ديمقراطية بل ستدار وفقا للشريعة الإسلامية"، ممهّدة لـ"مجلس حكم" يتبع لزعيم أعلى.

وإذا كان من أمر وحيد واضح خلال الأيام المقبلة فهو أن الحركة ستسمح بانتهاء عمليات الإجلاء من أفغانستان، وستحافظ، ولو إلى حين، على تعهداتها للولايات المتحدة لضمان عدم عزلها، واعترافات لو بالحد الأدنى بحكمها. أما في الداخل فلا شيء يمكن ضمانه ويجعل من جميع مخاوف الأفغان مشروعة، مهما حاولت الحركة تهدئتها بتصريحاتٍ غير مقترنة بأفعال. مرحلة اتضاح الرؤية ستبدأ فقط عندما تتيقن الحركة من مغادرة آخر أجنبي البلاد.

جمانة فرحات
جمانة فرحات
جمانة فرحات
صحافية لبنانية. رئيسة القسم السياسي في "العربي الجديد". عملت في عدة صحف ومواقع ودوريات لبنانية وعربية تعنى بالعلاقات الدولية وشؤون اللاجئين في المنطقة العربية.
جمانة فرحات