"طالبان" إرهابية في دولة "فيسبوك"!

"طالبان" إرهابية في دولة "فيسبوك"!

23 اغسطس 2021

(Getty)

+ الخط -

 

في إجراءٍ منفرد، قرّرت إدارة موقع "فيسبوك" تصنيف حركة طالبان "إرهابية"، وحذف المحتوى الداعم لها. ويعيد القرار الجدال بشأن معايير التصنيف في عالم "السوشيال ميديا" الذي أصبح محرّكاً عالمياً رئيساً لعالم الأفكار. وفي لحظات صراع سياسية سابقة، كانت منصّات التواصل، وبخاصة "فيسبوك" و"تويتر"، طرفاً في جدالاتٍ كبيرةٍ حول ما يجب وما يجوز وما لا يجوز. فإلى جانب التأثير الكبير للسياسة على المستويين، الوطني والعالمي، في أميركا وخارجها شكَّل "المحظور" و"المسموح به" قضية خلافية كبيرة. وفي التحقيقات البرلمانية الأميركية التي أعقبت فضيحة "كيمبردج أناليتيكا"، واجه مارك زوكربيرغ أسئلة مهمة بشأن مسؤولية "فيسبوك" عمّا يُنشر عبره. كانت "كيمبردج أناليتيكا" تبيع لجهات سياسية وشركات تجارية معلوماتٍ عن عشرات الملايين من مشتركي "فيسبوك" مصنّفين، بحسب ميولهم واهتماماتهم، بشأن كل شيء تقريباً، ما مكَّن السياسيين ومنتجي السلع والخدمات من "استهدافهم" بشكل أكثر دقة.
وفي قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية أخيراً، سئل زوكربيرغ عن الحسابات الروسية التي أدارتها أجهزة الاستخبارات الروسية على المنصة ذات التأثير الأسطوري، فحاول التهوين من حجم المشكلة بالقول إنّ البحث والتتبع لم يكشفا إلا حساباتٍ لا تصل إلى عشرة. وفيما يشبه مباراة بيلياردو مثيرة، رد عليه أحد نواب الكونغرس، قائلاً إن تدوينات هذا العدد القليل من الحسابات أُعيد نشره أكثر من مائة مليون مرّة.

خلال ما يزيد على قرنين من عمر الإعلام التقليدي، المقروء ثم المرئي، كانت هناك دائماً إمكانية للتحكّم والتقنين وتطوير التقاليد

وفي استعادة حالات أخرى للخلاف بشأن المعايير وحدود الحرية والمسؤولية، تبيّن أنّ جرائم الإبادة الواسعة التي استهدفت أقلية الروهينغا المسلمة في ميانمار، بدأت من خلال حساباتٍ لمتطرّفين على "فيسبوك". وفي الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كانت الإجراءات العقابية بحق حساب الرئيس دونالد ترامب حدثاً غير مسبوق، ولا تزال الإجراءت المتصلة به تطرح قضية "الصوابية السياسية" في الفضاء الافتراضي. وخلال ما يزيد على قرنين من عمر الإعلام التقليدي، المقروء ثم المرئي، كانت هناك دائماً إمكانية للتحكّم والتقنين وتطوير التقاليد، فقد كان هناك في النهاية "مجتمع مهنة" و"مواثيق شرف" وإمكانية للترشيد، حيث المنتج الإعلامي قابلٌ لنوع من الرقابة المسبقة، حتى لو كانت داخل المؤسسات الإعلامية وحدها.
أما في حالة منصات الإعلام الاجتماعي، فليس هناك "مجتمع مهنة" ولا "مواثيق شرف"، فضلاً عن إمكانية الرقابة، السابقة واللاحقة، مليئة بالثغرات. وخلال حرب غزة أخيراً، شكَّل موقف "فيسبوك" درساً بليغاً. فمن الناحية العملية، طوَّر مدونون كثيرون أشكالاً من التحايل "بسيطة" أمكن، باستخدامها، التحايل على خوارزميات "فيسبوك" بتغيير شكل هجاء كلمات معينة للتحايل على موقف منحاز إلى إسرائيل ومُعادٍ للحقوق الفلسطينية بشكل سافر.

المعايير الأخلاقية التي تتبنّاها "فيسبوك" وتفرضها على مستخدميها في قضايا دولية، يفترض ألا تتعارض مع القانون الدولي

وكانت هناك للمرة الأولى تساؤلاتٌ أخلاقية/ قانونية عن تعارض هذا الموقف مع القانون الدولي الذي يؤكّد، بقرارات دولية غير قليلة عدداً من الحقوق الفلسطينية، ما جعل كثيرين يعتبرون أن "فيسبوك" قرّر، بهذه الإجراءات ضد المحتوى المساند للحقوق الفلسطينية، أن يتبنّى "المعايير الصهيونية"، وأن يفرضها فرضاً على مستخدميه. والأرجح أن المنطقي أن المعايير الأخلاقية التي تتبنّاها المنصة وتفرضها على مستخدميها في قضايا دولية، يفترض، على الأقل، ألا تتعارض تعارضاً واضحاً مع القانون الدولي، وضمن ذلك تصنيف جماعات أو أفراد ضمن فئة "إرهابية".
ولا يكاد أحد ينكر أن قوائم "التكريم" و"التجريم"، وبخاصة قوائم المنظمات الإرهابية، لا تخلو من تسييس واضح في هذه الدولة أو تلك. واستخدام الوصف لخدمة المصالح السياسية للدول ليس جديداً، لكن الجديد أن تقرّر منصة "السوشيال ميديا" الأكبر في العالم الانفراد بوصف جماعة بأنها إرهابية، فضلاً عن "حظر" المحتوى الداعم لها. ومن المؤكّد أن حركة طالبان من أكبر الجماعات المنظمة في العالم تشدداً في الانحياز إلى الاختيارات الاجتماعية والثقافية المحافظة، إلا أن وصفها بـ"الإرهابية" يتطلب مسبباتٍ أخرى. ويحدُث هذا بينما الإدارة الأميركية نفسها تحجم، حتى اللحظة، عن وصفها بهذا الوصف، فضلاً عن التحولات في المواقف الرسمية الأميركية والأوروبية، سنوات، في إضافة تنظيمات إلى هذه القوائم وحذفها منها وفقاً لحسابات سياسية.
.. هل تنجح "دولة فيسبوك" الافتراضية في أخذ زمام المبادرة من الدول الحقيقية في إدانة الجماعات والتنظيمات بالإرهاب؟!