"حماس" وحضن الأسد

"حماس" وحضن الأسد

26 يونيو 2022
+ الخط -

كثير من التحوّلات شهدتها مواقف "حماس" خلال السنوات الماضية التي أعقبت الثورات العربية، ووقفت خلالها الحركة موقفاً يُحسَب لها لجهة مساندة الحراك الشعبي في الدول العربية، وإنْ كان ذلك من خلفيات أيديولوجية مرتبطة بصعود تيار "الإخوان المسلمين" الذي تعدّ "حماس" أحد أجنحته. تحوّلات قد تكون مفهومةً، حين تصدر عن حركة تحرّرية مقاومة، وحاجتها إلى إعادة اصطفاف التحالفات، خصوصاً بعد الانتكاسة التي مُني بها "الربيع العربي"، وعودة كل دوله تقريباً إلى المربع الأول أو الدخول في صراعاتٍ أهلية.

على هذا الأساس، يمكن فهم إعادة فتح قنوات التواصل مع إيران، والتي لم تنقطع كلياً أبداً حتى في ذروة وقوف "حماس" إلى جانب الثورات، وتحديداً في سورية. فكانت زيارة رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية إلى طهران للتعزية في اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، عام 2020، وما تلاها من عودة التقارب والدعم الذي تتلقاه "حماس" من النظام في إيران. هذا الفهم لتحوّل موقف "حماس"، رغم الانتهاكات التي قامت وتقوم بها إيران في دول عربية عديدة، وفي مقدمتها سورية واليمن، مرتبط بوضع "حماس" كحركة مقاومة فقدت كل السند الذي كانت تعوّل عليه خلال السنوات القليلة التي أعقبت الربيع العربي، فعادت إلى السند الإيراني، خصوصاً في ظل "مهرجان التطبيع" مع إسرائيل، والذي ترعاه الولايات المتحدة، مدعومةً ببعض الدول العربية، ووصل إلى مراحل متقدّمة.

ووفق المنطق نفسه، يمكن استيعاب التقارب القائم مع حزب الله اللبناني، والذي تُوّج قبل أيام بزيارة إسماعيل هنية إلى بيروت، ولقائه الأمين العام للحزب حسن نصرالله، وذلك على الرغم من الانتهاكات التي قام ويقوم بها الحزب ضد الشعب السوري. التقارب والتنسيق بين هذين الفصيلين المنضويين تحت خانة "حركات المقاومة" قد يكون ضرورةً استراتيجيةً لكل منهما في مرحلة من المراحل، بخاصة بعد المعلومات التي تحدثت عن دور لحزب الله في مساندة "حماس" خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.

لكن ما لا يمكن فهمُه ولا استيعابه هو فكرة التطبيع مع النظام السوري التي سرّبتها مصادر في "حماس" لوكالات إعلامية، من دون أن تتبنّاها الحركة رسمياً أو تنفيها، بل بالعكس، فإن تصرّف مسؤولي الحركة تجاه هذه التسريبات كان يوحي بتأكيدها عبر رفض التعليق أو النفي. إذ يبدو أن الحركة عمَدت إلى تسريب الخبر والصمت حوله لقياس ردّات الفعل والتصرّف ربما على أساسها.

التطبيع مع النظام السوري لا يمكن أن يندرج ضمن أيٍّ من البنود السابقة التي يمكن سردها لتبرير، وليس قبول، عودة "حماس" إلى الحضن الإيراني والتحالف مع حزب الله، فإذا كان الدعم العسكري والمادي الإيراني مبرّراً، فإن هذا لا ينطبق بتاتاً على النظام السوري، والذي عُرف عنه أنه لا يقدّم أموالاً أو سلاحاً، بل كان دائماً يكتفي بدور الممر للسلاح والدعم، حتى إن كان يُصادر أو يقتطع بعضها قبل وصولها إلى وجهتها النهائية. وإذا كانت مواجهة مهرجان التطبيع مع إسرائيل سبباً للتنسيق مع طهران، فإن هذا أيضاً لا يمكن قياسه على وضع النظام السوري. فهذا النظام لن يكون في أي جبهة مواجهة للتطبيع مع الاحتلال، في ظل العلاقات الوثيقة القائمة حالياً بين النظام والإمارات التي تعد أكثر اللاهثين وراء تحرير التطبيع وتوسيعه، ومن المؤكد أن الموضوع فُتح مع رئيس النظام السوري بشار الأسد خلال زيارته أبوظبي في مارس / آذار الماضي، والتي كانت الرحلة العربية الأولى للأسد منذ الثورة السورية وتعليق عضوية دمشق في جامعة الدول العربية.

وحتى إن لم يكن النظام السوري على هذه العلاقة الوطيدة مع الإمارات، فأي مكسب استراتيجي قد تحصل عليه "حماس" من الارتماء في حضن نظام الأسد المنهار كلياً، والذي لا يملك أي ثقل إقليمي أو دولي، وحتى محلي، وبات أداةً بيد الروس والإيرانيين، ومختصّاً بذبح السوريين وتهجيرهم فحسب، الأمر الذي كانت "حماس" حتى الأمس القريب تأخذ ضدّه موقفاً أخلاقياً. فما الذي تغيّر؟

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".