"حكاية فرح".. احتفاءٌ بأصوات النساء

"حكاية فرح".. احتفاءٌ بأصوات النساء

02 ابريل 2022
+ الخط -

في جدل النضال النسوي العالمي، صار من المسلّم به إمكان وصف امرأة بأنها ذكورية، بمعنى استبطانها نمط التفكير الذي يمنح أفضلية مطلقة للرجل بالتعريف. وبالمثل، يمكن وصف رجل بأنه نسوي. وهكذا لا حرج في القول إن رواية "حكاية فرح" للروائي والسياسي والأكاديمي المصري، عز الدين شكري، تعدّ نسويةً بامتياز.

تحكي قصة أربعة أجيال من النساء، عبر أصوات ثلاث منهن: زينب التي تزوجت في سبعينيات القرن الماضي، ثم ابنتها فرح، وأخيراً الحفيدة الشابة زينة. وفي السياق نعود أيضاً إلى الجدّة الكبرى زينات. تقاوم بطلات الرواية القيود المفروضة لإخضاعهن، كل منهن بطريقتها الخاصة، حسب سياقيها الزماني والمكاني، حتى وإن ظهر استسلامها سطحياً.

تحوّلت زينات التي تزوجت في طفولتها إلى ملكة مسيطرة داخل منزلها، وأمكنها احتواء زوجها المهيب، حتى احتلت مكانه تدريجياً بعد اعتلال صحته، لتصبح هي كبيرة الأسرة التي لا رادّ لحكمها، بينما حاولت زينب اكتساب المكانة بالصعود الطبقي، ولو معنوياً، على الرغم من سوء ظروفها المادية، فحرصت على تمييز أبنائها العائدين من الخليج عن أبناء القرية بتعليمهم ونظافة مظهرهم، ليصبحوا "أولاد ناس"، لكنها فشلت في استنساخ تجربة أمها المهيمنة، بعدما شبّ الأبناء. أما فرح فلجأت إلى الزواج النمطي المبكّر للهروب من الأسرة المعنِّفة، ثم استغنت بعملها ذي الدخل المرتفع عن الزوج المفروض، لكنها تفشل في علاقتها العاطفية المختارة، ثم تضطرب أمام تقلبات ابنتها زينة، رغم كل محاولاتها تطبيق "التربية الحديثة" المختلفة عن التربية التي تلقتها.

تسائل "حكاية فرح" بعمق مسلّماتٍ عديدة، هل حقاً تختلف أزمات الإنسان باختلاف المكان والزمان، أم يحمل الوجود البشري دائماً الأثقال ذاتها؟ هل هناك أي طريقة مثالية لتربية الأبناء وحمايتهم؟ وهل يمكن القطع بخطأ الإنسان ومسؤوليته عن مصيره، أم، كما يقول الروائي النرويجي بير بيترسون، هو خطأ "نهر الزمن اللعين" الذي يجرفنا كلنا في تياره؟

وكما طرحت الشاعرة إيمان مرسال في كتابها "عن الأمومة وأشباحها، كيف تلتئم" فكرة أن الأمومة قد لا تحمل، بالضرورة، المعنى المطلق للحنان والتضحية، بل قد تتحوّل عبئاً ثقيلاً حتى تكره بعض الأمهات أمومتهن، فإن فرح تسائل الأمومة والبنوّة في آن واحد.

حملت الرواية أيضاً أسئلة إضافية في تقنية الكتابة، حيث تحدّي تقديم صوت امرأة صادق على يد رجل، من دون الوقوع في فخّ مصادرة صوت المرأة لصالح الذكورية، وهو تحدٍّ أمكن للكاتب تحقيقه، وتشهد بذلك آراء القارئات على "جود ريدز" والمنصّات الشبيهة.

ليست هذه رواية سياسية صريحة، لكن السياق السياسي يوجّه أحداث حياة الشخصيات غير المُسيسة في الواقع والرواية. وهكذا نشهد الانعكاس السياسي منذ تهجير أسرة زينب ونكبتها المالية بعد حرب 1967 وحتى ثورة يناير التي تظهر هنا ثورة اجتماعية ما زالت تتفاعل، رغم هزيمة شقّها السياسي.

تحمل الرواية، مثل سابقتها للكاتب "كل هذا الهراء"، نبرة سخرية لاذعة ظاهرة ومستترة، وكذلك تحمل النبرة الغاضبة ذاتها، والتي تستخدم السباب بألفاظه الصريحة، وذلك بخلاف روايات شكري السابقة قبل 2013، وهو ما دفع بعض القراء إلى التساؤل عما حدث لصاحب "عناق على جسر بروكلين". ولكن لعل في غضب شخصيات روايتيّه الأخيرتين انعكاساً لغضب وسأم المؤلف، فلم تعد الكتابة المتلطفة مناسبة الآن!

خلال يومين فقط تندفع فرح إلى هدم منزل أسرتها الذي تتلذذ بمشاهدته يتهاوى كأن ماضيها يتهاوى معه، ثم تُنهي علاقتها مع شريكها المتردّد، وتودع أمها في دار المسنين، وتقرّر التدخل لتدمير علاقة ابنتها لتحميها من نفسها، في استعادة لسلطوية أمها وجدّتها بطبعة حديثة.

تنتهي الرواية بفصل قصير يظهر فيه صوت زينة التي تركت شريكها في علاقةٍ غير ناضجة لتقبل الزواج بشريك جديد واعد، وتنظر إلى أمها بتفهم وحب على الرغم من كل شيء.

تذكّرنا زينة هنا بشخصية يحيي نجل علي في "باب الخروج"، أو عمر نجل فخر الدين في "كل هذا الهراء"، حيث بارقة أمل بأن الجيل القادم قد يحمل مستقبلاً أفضل، يتجنّب ما أفسدته الأجيال الماضية والحالية.