في ظل أزمة اقتصادية خانقة... شكل التكافل الذي نريد

في ظل أزمة اقتصادية خانقة... شكل التكافل الذي نريد

29 سبتمبر 2020
+ الخط -

ما هو الدور المنشود لرجال الدين في تسليط الضوء على الخصال الأخلاقية والروحانية المصاحبة لجائحة كورونا، خاصة في ما يعانيه مجتمعنا من أزمة اقتصادية خانقة حيث لا يمكن التفكر فيها بمعزل عن موضوع التكافل الاجتماعي والاقتصادي والعطاء والمشاركة المجتمعية.

في ندوة افتراضية جمعت عددا من المهتمين بالشأن الديني ورجال دين بارزين، تمت الإجابة عن هذا التساؤل العريض ومناقشة مفهوم العطاء وكيف يمكن ترسيخ هذه الثقافة وتطويرها من مفهوم التعاون وحب الخير. وفي جو ساده التفاهم العميق والنقاش الجاد الهادف، خلص المشاركون بأن جائحة كورونا قد كشفت مدى الحاجة للتفكير بطريقة أنضج في موضوع  التكافل الاقتصادي، وأن نبحث في الوسائل لازدهار مجتمعنا تحت مظلة مبادئ روحانية لنرتقي فيها لمراتب تليق بمقام الإنسان ومقدار نبله.

ولا يمكن تحقيق الازدهار للمجتمع الإنساني إلا بتحقيق الاتساق بين الأبعاد الروحانية والمادية للحياة. وتقدم الفرد يجب ألا يتحقق على حساب مصلحة الأفراد الآخرين. كما أن خير ورخاء أي جزء من المجتمع يعتمد بشكل وثيق على خير ورخاء الجميع.

فالحياة الجماعيّة للإنسانيّة تكابد المعاناة عندما تهتمّ فئةٌ ما بمصلحتها بمعزلٍ عن صالح جيرانها، أو تسعى وراء مكسبٍ اقتصاديّ دون اعتبارٍ لمدى تأثيره السّلبيّ على البيئة الطّبيعية التي توفّر الرّزق للجميع.  اذًا فثمّة عقبة مستعصية في طريق التّقدّم الاجتماعي الهادف:  الجشع والطّمع يسودان مرّة تلو أخرى، والمصلحة الشّخصيّة تطغى على الصّالح العام.

القلب المعطاء هو قلب يتصف بالنقاء، محب لكل ما خلقه الله، خال من الحسد، عادل لا يفرق بين أحد، مضح لما فيه مصلحة الجميع، ومسرور بما كتبه الله له

وعليه فإن أحد أهداف تخفيف وطأة الفقر يتمركز على الفرد حيث يجب أن نساعده في استعادة كرامته وحسه بالقيمة الذاتية، وتشجيعه لتحسين وضعه وادراك وتحقيق ما فيه من قوى كامنة. ويجب رعايته لينظر إلى أبعد من تحقيق الرفاه الفردي ليصبح مصدرًا للخير الاجتماعي. وكذلك المؤسسات، عليها أن تعمل على جميع شرائح المجتمع. وفي الحقيقة فإن الموارد التي تساعد على تطوير هذا الفرد والقدرة المؤسساتية هي مصدر ثروةٍ حقيقيّ للمجتمع.

وهنا تم التركيز على مفهوم الثروة من الجوانب الأخلاقية والتي تتمثل في: تكوين الدخل، وكيفية الحصول عليه، ومن ثم كيفية استخدامها وأوجه صرفها. فإن حصلت عن طريق الصنعة والاقتراف فهي ممدوحة لدى الله، ذلك لأنها نتاج سعي الفرد واجتهاده. كما أن أسمى صور لاستخدام هذه الثروة تكون لخدمة المجتمع الإنساني ودعم القضايا الهامة.

وبالرغم من إجماع المشاركين بأن هناك مواقف سائدة ومقبولة اجتماعيا بخصوص الكسب والإنفاق، ولكن تم النقاش أيضا على دور رجال الدين في تصحيح المسار أو في ترسيخ المبادىء الروحانية.

وعودة إلى الأزمة الاقتصادية المصاحبة لكورونا فهي قد قربت العديد من المفاهيم التي كانت شبه غائبة في زخم اللهاث نحو تكديس الثروة ، فصفات من قبيل التعاون، الشفقة والرحمة، والإخاء، والإيثار وعمق الصلات المجتمعية كان لا بد من ممارستها على أرض الواقع وهي جميعها مستمدة من التعاليم الدينية، والتأكيد على دور رجال الدين في بث روح التعاون بين أفراد المجتمع وتعزيز القيم الأخلاقية وكيفية تطبيق مثل هذه الصفات في الممارسات اليومية. وكما جاء في سورة المائدة من القرآن الكريم: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" لأنه لا بد من وجود البُعد الأخلاقيّ الجوهريّ للكسب والإنفاق والعطاء. "فضل الإنسان في الخدمة والكمال لا في الزّينة والثّروة والمال".

وإذا ما أريد لمجتمع ما الازدهار، فمن غير المقبول أن يستأثر بعض الأفراد المعدودين بثروات بينما يظل الباقون فقراء محتاجين، وإذا لم ترافق تلك الثروة الرغبة في العطاء المقرون بالمحبة والكرم والعدل الإنساني. وقد تم الحديث بإسهاب عن العطاء كصفة متأصلة بالروح الإنسانية، والحديث عن صندوق همة وطن ، بحيث يجب أن يكون التبرع سريا، حتى نكون كالينبوع أو عين الماء الذي يفرغ نفسه باستمرار من كل مافيه، ويمتلئ من جديد من مصدر خفي. وأن نعطي باستمرار من أجل خير أخوتنا. فلا يردعنا خوف من الفقر ونتوكل على فضل الله الذي لا ينضب فهو أصل كل ثروة وكل خير - هذا هو سر الحياة الحقّة. ولحفظ كرامة الإنسان لا المتبرع يعلم لمن أعطيت عطاياه ولا المتلقي يعرف من أعطاه.

إذن، فالقلب المعطاء هو قلب يتصف بالنقاء، محب لكل ما خلقه الله، خال من الحسد، عادل لا يفرق بين أحد، مضح لما فيه مصلحة الجميع، ومسرور بما كتبه الله له. وأخيرا، المطلوب إذن أن يتكاتف جميع أفراد مجتمعاتنا من دون النظر إلى الفروقات، وعمل كل ما يعزز وحدتنا ويلغي فرقتنا.

68A247F7-2E17-41D0-936C-12D2B63A726B
تهاني روحي

صحافية وكاتبة ومحاضرة في حقوق الإنسان والتغيير الاجتماعي والإعلام والمسؤولية الاجتماعية وحوارات الأديان. وطيلة 25 عاما من خبرتها، تناولت القضايا الاجتماعية المتعلقة بحقوق الأقليات واللاجئين وقضايا النوع الاجتماعي. وهي منخرطة أيضا في رفع مستوى الوعي في الحوار مع الآخر المختلف، والعمل الاجتماعي.