ضباط وموظفون يبتزون أهالي سجناء العراق

ضباط وموظفون يبتزون أهالي سجناء العراق

28 سبتمبر 2020
الاعتقالات مستمرة ومعها الانتهاك والابتزاز (حيدر محمد علي/ فرانس برس)
+ الخط -

تصاعدت شكاوى الابتزاز التي يتعرض لها ذوو السجناء في العراق من قبل ضباط التحقيق والسجانين والعاملين في مراكز التوقيف والسجون أكثر من أي وقت سابق، ليتحول السجناء إلى مصدر ربح، فيما القضية من دون أيّ حلّ

لا يقتصر ملف السجون في العراق على التعذيب الممنهج وسوء التغذية واكتظاظ الزنازين بالنزلاء وانتشار الأمراض بينهم، بل تمتد القضايا إلى ابتزاز أهالي السجناء والمعتقلين. يضطر هؤلاء إلى دفع رشاوى من أجل لقاء أبنائهم أو إدخال طعام وملابس إليهم، أو لضمان عدم تعريضهم للتعذيب وسوء المعاملة، أو بهدف وضعهم في زنازين نظيفة تتوفر فيها مصادر هواء وتكييف وحمامات صحية.

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

في هذا السياق، يكشف مسؤول عراقي بارز في بغداد أنّ اللجنة العليا لمكافحة الفساد برئاسة الفريق أحمد أبو غريف، تتجه لفتح ملف السجون بدءاً من عقود طعام السجناء التي يشوبها كثير من الفساد، وصولاً إلى الإثراء الفاحش والسريع لضباط ومنتسبي السجون ومراكز التحقيق، إذ بات هذا القطاع مصدر مدخول مالي للضباط الفاسدين وعناصر الأمن الذين هم أقل منهم رتبة على حدّ سواء. يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ شكاوى وردت من منظمة "هيومن رايتس ووتش" ونواب في البرلمان تؤكد استفحال الفساد في السجون وتعرض السجناء وذويهم للابتزاز المالي لقاء أمور يجب أن تكون بديهية ومن حقوق السجين، كالطعام والمكان النظيف وعدم التعذيب أو الإهانة.
مدير مركز بغداد لحقوق الإنسان مهند العيساوي يقول إنّ "ابتزاز المعتقلين في السجون العراقية مستمر ولم يتوقف ولم يتراجع في ظل حكومة مصطفى الكاظمي، وتصلنا شكاوى كثيرة عن عمليات ابتزاز مختلفة يتعرض لها ذوو المعتقلين". يوضح العيساوي لـ"العربي الجديد" أنّ من بين عمليات الابتزاز "ما يتعلق بتدوين أقوال السجناء أثناء التحقيق من غير تعذيب، وإذا لم يرضخوا لهذا الابتزاز فإنّ المعتقل سيتعرض للتعذيب ويدلي باعترافات قد توصله لعقوبة الإعدام. كذلك، فإنّ بعض المعتقلين يقرر القضاء إطلاق سراحهم لكنه يشترط ألّا يكونوا مطلوبين في قضايا أخرى، لكنّ بعض الضباط يساومون عائلة المعتقل على مبالغ مالية كبيرة من أجل مفاتحة الدوائر الأخرى لاستصدار كتاب يثبت عدم مطلوبيته، وهذا غالباً ما يجري في قضايا تشابه الأسماء". يتابع: "المعتقل الذي لا يدفع ذووه للضباط، يحال إلى عدة محافظات حتى يتم التحقيق معه في القضية التي يتشابه اسمه مع اسم المتهم فيها، وقد يتأخر المعتقل سنوات من أجل أن تثبت الجهات المختصة أنّه ليس المطلوب في هذه القضية". ومن صور الابتزاز أيضاً في ما يتعلق بالمعتقلين المرضى، إذ يبتز السجانون ذوي السجناء من أجل السماح لهم بإدخال أدوية وأطعمة للمعتقل، أو إحالته إلى مستشفى للعلاج. ويقول العيساوي: "من صور الابتزاز أيضاً المساومة على تحسين وضع السجين، مثلاً نقله إلى زنزانة فيها تكييف أو أقل اكتظاظاً من زنزانته. وفي بعض المحافظات ومنها نينوى (شمال) هناك سجون تؤجّر فيها الزنازين المكيفة للمعتقلين الميسورين، مقابل مبالغ كبيرة يدفعها ذووهم تفوق كلفة الإقامة في الفنادق العالمية".
من جهته، يقول حاتم الجنابي لـ"العربي الجديد" إنّه كان يدفع مبلغاً أسبوعياً لضابط مسؤول عن السجن الذي قضى فيه شقيقه فترة اعتقاله على خلفية قضية قتل، من أجل أن يلقى معاملة جيدة. يوضح أنّ شقيقه الذي أمضى أكثر من ستة أشهر في السجن، ورد اسمه في التحقيق مع أصدقاء له تعرضوا للتعذيب في تحقيق حول جريمة قتل، مؤكداً أنّ شقيقه الذي أثبت القضاء براءته لم ينل حريته حتى دفع رشوة للمحقق المسؤول عن ملف قضيته. يتابع أنّ "قضية شقيقي جعلتني أطلع على حال السجون عن قرب. تعرفت إلى ذوي العديد من السجناء كانوا يدفعون للمسؤولين على أبنائهم في السجون الرشاوى لكي يلقى أولادهم معاملة حسنة". ويضيف: "طوال فترة الستة أشهر دفعت أكثر من عشرين ألف دولار أميركي لكي ينال أخي حقه لا غير".
وليست خافية بين العراقيين الرشاوى التي يتقاضاها كثيرون يعملون في قضايا التحقيق مع السجناء والموقوفين وبعض من يعملون في إدارة السجون، إذ يتسبب انتشار الإرهاب وضعف الأمن باضطرار الجهات الأمنية على إجراء حملات اعتقال كبيرة، كان للأبرياء نصيب كبير منها. أحمد النعيمي (36 عاماً) يصف نفسه بأنّه كان "دجاجة تبيض الذهب" بالنسبة لمن كانوا مسؤولين في سجنه. ينتمي النعيمي إلى عائلة ميسورة تعمل في مجال تجارة الأراضي الزراعية، ويؤكد لـ"العربي الجديد" أنّه تعرض ثلاث مرات للاعتقال بسبب "المخبر السري". لكنّ النعيمي الذي يبرئه القضاء في كلّ مرة، يقول إنّ "ميسوري الحال يعتبرون صيداً دسماً بالنسبة لكثير من المحققين والمسؤولين عن السجون". ويتابع: "في مقابل المال الذي أدفعه كنت أنام على سرير جيد ونظيف وأتناول طعاماً جيداً ولا يتعرض لي أحد من المسؤولين عن السجن أو السجناء لأنّي محميّ من الضابط المسؤول عن التحقيق معي".

وكانت العديد من التقارير لمنظمات إنسانية وحقوقية، فضلاً عن وسائل الإعلام، قد كشفت عن تجاوزات بحق السجناء في العراق، كان من بينها ابتزاز السجناء، وهو ما أكدته أيضاً قبيلة المجمعي، إحدى أكبر العشائر في العراق، التي استنكرت في بيان لها في إبريل/ نيسان الماضي الانتهاكات المرتكبة بحق "السجناء الأبرياء الذين يقبعون في السجون منذ سنوات بسبب وشاية المخبر السري سيئ الصيت والحقد الدفين والفساد المالي والابتزاز من بعض ضباط التحقيق". وجاء بيان قبيلة المجمعي على إثر وفاة أحد أفرادها داخل السجن، متهمة القائمين على السجن بالوقوف وراء وفاته نتيجة تضارب روايات الوفاة.

المساهمون