تكريم رموز الأزمة الأمنية في الجزائر: أي حسابات للسلطة؟

تكريم رموز الأزمة الأمنية في الجزائر: أي حسابات للسلطة؟

07 اغسطس 2022
يتم الاحتفال بالجيش وضباطه بكل مناسبة وطنية (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

لم يمر حفل تكريم كبار القيادات العسكرية في الجزائر، في 4 أغسطس/آب الحالي، من دون الكثير من الجدل والمواقف المتباينة في الجزائر، إزاء الرسائل السياسية التي تحملها هذه الفعالية.

وإذا كان تكريم الضباط العاملين في قسم مكافحة الإرهاب، ومصابي الجيش خلال عمليات مكافحة الجماعات الإرهابية، وعائلات ضحايا الواجب الوطني الذين قضوا في هذه العمليات، مفهوماً تقديراً لتضحياتهم، فإن أكثر الجدل انصب إزاء تكريم قادة عسكريين كانوا قبل أقل من ثلاث سنوات قيد ملاحقة من قبل القضاء العسكري بتهمة التآمر والخيانة.


تم تكريم عدد من الضباط الذين قادوا عمليات مكافحة الإرهاب خلال العقود الماضية

كما سبق لبعضهم دعوة ضباط الجيش إلى التمرد على القيادة في عهد قائد الجيش الراحل أحمد قايد صالح، إضافة إلى ماضيهم السياسي في التورط في ملابسات تدبير وإدارة الأزمة الأمنية التي عصفت بالبلاد بعد توقيف المسار الانتخابي في يناير/كانون الثاني 1992.

تأثر الجزائر بتجربة مصر

يبدو تأثر السلطة السياسية والعسكرية في الجزائر واضحاً بتجربة لافتة في مصر، ينجزها الرئيس عبد الفتاح السيسي عبر قطاع "الشؤون المعنوية للجيش"، الذي يشرف على سلسلة فعاليات تتضمن تكريم العسكريين وعائلاتهم، وإنتاجات فنية لصالح مزيد من تركيز موقع الجيش لدى الشعور الجمعي وزيادة تمركزه في الحياة السياسية.

هذا التأثر يترجم في الجزائر، في الفترة الأخيرة، بسنّ خط احتفالي جديد بالجيش ومنجزاته وضباطه، في كل مناسبة وطنية، كان أبرزها الاستعراض العسكري في الخامس من يوليو/تموز الماضي بمناسبة عيد الاستقلال، وتكريس الرابع من أغسطس/آب من كل عام (تاريخ تحول جيش التحرير إلى جيش وطني نظامي عام 1962) للاحتفال باليوم الوطني للجيش.

احتفاء بعسكريين مصابين بعمليات ضد الإرهاب

وتبرز بعض ملامح هذا التأثر من خلال استدعاء مظاهر الاحتفاء نفسها بعدد من الضباط والعسكريين من المصابين في عمليات مكافحة الإرهاب، خصوصاً الذين تعرضوا لإصابات خطرة تسببت في بتر بعض أعضائهم، وعائلات عسكريين قضوا في عمليات مكافحة الإرهاب، في محاولة لاحتواء غضب مستمر منذ سنوات من قبل العسكريين ضحايا عمليات مكافحة الإرهاب، والمجندين الذين أعيد تجنيدهم للمشاركة في مكافحة الإرهاب.

ويواصل هؤلاء منذ سنوات تحركاتهم الاحتجاجية في الشوارع وأمام مقر وزارة الدفاع. ونفذوا في كثير من المناسبات، آخرها قبل أشهر قليلة، اعتصامات للمطالبة بحقوقهم المعنوية والمادية مقابل دفاعهم عن الدولة والنظام الجمهوري. ويعطي الاحتفاء الرسمي بعدد من المصابين رسالة إلى هؤلاء، بوجود توجه فعلي نحو الاعتراف بحقوقهم المادية، ورد الاعتبار لنضالهم من أجل الجمهورية.

ومن ذلك أيضاً الظهور الأول لقائد كتيبة المغاوير التي تولت عملية تحرير منشأة الغاز تيقنتورين و700 من الرهائن الجزائريين والأجانب من قبضة مجموعة إرهابية مسلحة تتبع تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" قدمت من ليبيا ومالي في 16 يناير 2013.

وظهر المقدم حمزة شعلالي، حيث حظي بتكريم من قبل الرئيس عبد المجيد تبون. وأعلن، خلال تقديمه، أنه كان قد أصيب خلال العملية، لكنه رفض الانسحاب حتى القضاء على كامل الإرهابيين في المنشأة.

كما تم تكريم عدد من الضباط الذين قادوا عمليات مكافحة الإرهاب خلال العقود الماضية، وحققوا إنجازات كبيرة في مجال تحييد المجموعات الإرهابية المسلحة.

جدل حول تكريم قيادات أمنية سابقة

وإذا كان تكريم كل هؤلاء، محل إجماع عام في الجزائر، فإن جدلاً كبيراً رافق تكريم بعض القيادات والمسؤولين السابقين في الجيش والمخابرات (حتى وإن لم يحضروا الحفل بزعم داعٍ صحي)، الذين يحصل انقسام في الموقف تجاههم، نتيجة لدورهم المريب في فترات عصيبة من تاريخ الجزائر، على غرار العشرية الدامية ومخلفاتها الأليمة. كما أنهم كانوا قبل ثلاث سنوات قيد الملاحقة من قبل القضاء العادي والقضاء العسكري في فترة سيطرة قائد الجيش السابق الراحل أحمد قايد صالح على مقاليد السلطة، بتهم التآمر على السلطة والجيش.

ومن هؤلاء القائد الأسبق لجهاز المخابرات، الفريق محمد مدين، المعروف إعلامياً بالجنرال توفيق، ووزير الدفاع السابق خالد نزار، المتهمين بالتورط في تدبير أزمة عام 1992. كما تمت ملاحقتهما عام 2019، بتهمة التآمر على السلطة والجيش (بعد اجتماع مشبوه في مارس/آذار 2019 لتدبير مرحلة انتقالية).


إسماعيل معراف: الفعالية حملت رسائل أن السلطة الآن باتت موحدة تماماً

وأودع الجنرال توفيق السجن العسكري، فيما فر نزار إلى الخارج خلال فترة الحراك الشعبي في إبريل/نيسان 2019، تجنباً لاعتقاله من قبل قائد الجيش حينها، في القضية نفسها. وصوّر فيديو خلال فترة تواجده في الخارج، دعا فيه ضباط الجيش إلى التمرد على قايد صالح، قبل أن تُسقط جميع التهم عنه بصورة غامضة.

وهناك الجنرال المتقاعد حسين بن حديد، الذي تنسب له تجاوزات خلال فترة الأزمة الأمنية. كما كان ملاحقاً من قبل القضاء العسكري مرتين، عام 2016 بتهمة إفشاء أسرار عسكرية، وأعيد اعتقاله في يوليو 2019، لغاية يناير 2020، بتهمة إضعاف معنويات الجيش وإهانة قائد عسكري.

ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، إسماعيل معراف، في تكريم هذه القيادات المثيرة للجدل بأنها تمثل خيبة أمل للكثيرين.

نهاية محاسبة رموز الدولة العميقة

ويقول معراف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "تكريم رموز ما يعرف بالدولة العميقة المعروفين، مثل الجنرال توفيق وخالد نزار وبن حديد وغيرهم، هو إعلان حقيقي لنهاية مطالب الحراك الشعبي الذي كان يطالب بمحاسبة هؤلاء عن مسؤوليتهم في أزمات البلاد".

ويضيف: "كما أن تكريمهم يمثل نهاية حقبة للوطنية العسكرية التي مثلتها توجهات القائد السابق للجيش الفريق قايد صالح، المعادية بصراحة لفرنسا، خصوصاً مع الإشارة إلى أن تكريم آخر الوجوه التي تمثل هذا التوجه، الفريق بن علي بن علي قد يكون تمهيداً لترحيله إلى التقاعد".

ويعتبر معراف أن الفعالية الأخيرة "حملت رسائل أريد إرسالها إلى الداخل والخارج، هي أن السلطة الآن في الجزائر باتت موحدة تماماً، وأن مؤسسة الحكم باتت ملتفة حول شخص تبون".

ويتابع: "أعتقد أن النظام الجزائري عانى في الفترة السابقة من الكثير من الهزات، بسبب الانقسام الذي حصل داخل السلطة، خصوصاً قبل وأثناء الحراك الشعبي عام 2019، وهو ما دفع الأجنحة الموجودة داخل السلطة والمؤسسة العسكرية إلى التوافق على التوجه نحو توحيد الموقف بعد فترة خلافات، لتجاوز كل المشكلات السابقة".

التكريم يأتي في سياق سياسة لم الشمل

لكن قراءة أخرى تدرج هذا التكريم، الذي شمل شخصيات جدلية في الجزائر، ضمن تكريس منطق الدولة وثقافة الاعتراف لمن دافعوا عن النظام الجمهوري، وفي سياق سياسة "لمّ الشمل" التي أعلن عنها تبون لتجاوز مخلفات الأزمات السابقة.

مولود ولد الصديق: جمع تبون لكل الشخصيات العسكرية جزء من مبادرة لمّ الشمل التي أعلن عنها

ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة سعيدة غربي الجزائر، مولود ولد الصديق، إن جمع تبون لكل الشخصيات العسكرية التي تمثل مختلف المراحل وتعبّر عن مختلف التوجهات الحيوية، هو جزء من مبادرة لمّ الشمل التي أعلن عنها الرئيس قبل ذلك.

ويضيف ولد الصديق، في تصريح لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن هذا هو بعينه ما كان يعنيه الرئيس بمبادراته لمّ الشمل. الآن بدت الأذرع المتصارعة سابقاً متوافقة، ومتراضية على الخيار الحالي". ويعتبر أن "هناك نهجاً واضحاً من قبل السلطة، نحو تصفير المشكلات داخل النظام، تحسباً لتحديات صعبة متوقعة، سواء على الصعيد الداخلي أو الإقليمي".

وضمن الاعتبارات نفسها يأتي تفسير سياسي يعتبر أن تكريم قيادات الجيش ورموز الأزمة الأمنية، يدخل ضمن معادلة قرار مقابل قرار، كونه خطوة تسبق بقليل قراراً سيتخذه تبون، يتعلق بالعفو الخاص عن عدد من المعتقلين الإسلاميين من كوادر "جبهة الإنقاذ" المنحلة، المتهمين بالإرهاب (سجناء تسعينيات القرن الماضي).

كما يسبق التكريم تحرير عدد من المسلحين وقيادات الجماعات الإرهابية الذين سلموا أنفسهم للسلطات في فترة ما بعد انتهاء الآجال القانونية للمصالحة الوطنية، إضافة إلى العفو عن بعض قيادات "جبهة الإنقاذ"، ممن تعلقت بهم قضايا دعم الإرهاب وكانوا يهاجمون الجيش والمؤسسة الأمنية من الخارج، ما يعني وجود حسابات لدى السلطة، بعدم منح تيار معين امتيازاً سياسياً على حساب آخر.

المساهمون