إنّهم يقتلون النساء، أليس كذلك؟

إنّهم يقتلون النساء، أليس كذلك؟

30 يونيو 2022
سيدني نولان/ أستراليا
+ الخط -

تخيّل أن تقرأ روايةً عن مجموعة من الشبّان الذين ينتشرون بين الأبنية وفي الحدائق والجامعات، معهم سكاكين وبنادق، ويبحثون عن النّساء، كي يقتلوهن. وتخيّل أيّها القارئ أنّ هذه المجموعة الضّالة تنشر جرائمها على وسائل التواصل الاجتماعي، وأنّ مقاطع القتل تَلقى رواجاً وتبريراً وأحياناً دعماً، فهناك مَن سيقف ضدّ المقتولات، أو يلومهن.

ثمّ لنكملِ التجربة، لماذا لا تترك رواية الديستوبيا التي نفترضها قليلاً، وتنظر إلى الواقع في كثيرٍ من البلدان العربية. يا لها من مفاجأة عندما تكتشف أنّك تعود إلى رواية الديستوبيا التي افترضنا وجودَها عن شبّان تطوّرت لديهم مهارات تتبّع الضحايا وقتلهن وسط بيئة تحميهم من المساءلة الحقيقيّة.

يمكن لروائي ما أن يتابع سرد الحكاية الحزينة التي بدأت بحالات قتل متفرّقة، ثمّ مع تكرار القتل والهروب من العقاب، وبمرور الزمن تغيّرت طبيعة هؤلاء الشبّان وصار لهم وظائف خاصة بهم كقتلة للنوع الآخر. حتّى أنّ طبيعتهم، كبشرٍ، قد تغيّرت. إذ لا مناص من القول إنّ الإنسان في بلدان يُقتَل مواطنوها على ناصية الطريق وفي الجامعات، لاعتباراتٍ كثيرة، هو إنسانٌ مهدّد يعيش في محميّة، مثله مثل وحيد القرن. لكن ما من أحد يفكّر بحمايته. بل تُكال الاتهامات للثقافة والمجتمع ككلّ أمام جرائم القتل، ويصعب على شخص غير اختصاصي أن يحلّل بالضبط جميع دوافع القتل، والأخطر سهولته فيما يخصّ النّساء. لكنّ إحالة هذه "الظاهرة" إلى ثقافة المجتمع ككلّ، فيهِا شيء من التعمية. ذلك أنّ القتل هو أقصى صور الإلغاء، وإلى جانب القتل تحضر ممارسات عديدة كالتحرّش والاغتصاب، لقهر الضحية والكيد بها والقصاص منها. لكن، يتراءى للبشر الطبيعيين التساؤل: ما العمل؟

المشكلة والحلّ لدى أنظمة تنفي الحريّة وتكرّس العجز

بالتأكيد في رواية الديستوبيا التي أفترضها، ستفكّر العصابة الضّالة بإمكانيّة الفكاك من العقاب، وسوف يُيَسَّر لها الفكاك من العقاب عبر اتّساع رقعة الفساد. كما يسهل القول في الديستوبيا المُتخيّلة أنّ المجتمع برمّته مجتمعٌ فاسد، لكن في الواقع تبدو هذه المقولة جائرة. إذ إنّ تعاطفاً جديّاً يظهر لدى فئة غير قليلة من المجتمع برمّته في وجه قَسْمِهِ إلى نوعين منفصلين هما ذكور وإناث. وأخالُ المشكلة والحل لدى الأنظمة التي تنفي قيمة الحريّة بكلّ أوجهها، وتعيد الضحايا إلى دوائر العجز وقلّة الحيلة والضعف. إنّ لوم الثقافة ككلّ قول فضفاض ينطوي على نصف الحقيقة، إذ يمكن لقوانين جادّة ضدّ التمييز والقتل أنْ تشرّع ثقافة من نوعٍ يحمي الضحايا، إلى جانب العمل على التغيير داخل الثقافة بالتعليم والمساواة. لكننا للأسف نعيش في أنظمةٍ الجهلُ أحد أعمدتها، ولو أرادت التدخّل فهي تتدخّل بصورة الفرد المُخلّص.

بالعودة إلى رواية الديستوبيا المفترضة، سأفكّر بأنّ هدف عصابة الشبّان الوصول إلى مجتمع من غير نساء، وبأنّهم يستعيضون عن الأرحام بمخابر متقدّمة، لكن هذا فتكٌ بالإنسان. ولربما تعيد رواية الديستوبيا المفترضة إلى الأذهان فيلم المخرج اليوناني يورغوس لانثيموس "سرطان البحر" (2015). والفيلم يتحدّث عن فندق يقيم فيهِ أشخاص عازبون لمدّة محدّدة من أجل إيجاد شركاء للزواج، ومن ثمّ مغادرة الفندق والعودة إلى المدينة مع أزواجهم. لكن مَن يفشل في العثور على شريك للزواج منه، يتحوّل إلى حيوان ويعيش في الغابة، ثمّ يسُمَح لنزلاء الفندق بقتل الحيوانات ــ التي تعود أصولها إلى بشرٍ فشلوا في الارتباط ــ وتمديد الإقامة ليومٍ واحد لقاء كلّ جثة.

هذا مشابه للفنادق التي تُدعَى الأوطان، حيثُ جرائم القتل تحدث في الشارع ضدّ فتيات رفضن الارتباط. بهذه الصورة تلتبس الحدود بين الواقع وبين الديستوبيا. أيّهما تصدّق أيّها القارئ؟ لو قرّر روائي أن يكمل الحكاية التي أعرضها هنا، آمل أن يهديها إلى ضحايا العنف والقتل وإلى الناجيات. وأن يختبر لنا حلاً يبعد الرصاص عن جماجم النّساء. ذلك لأنّهم يقتلون النّساء. أليس كذلك؟


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية

المساهمون