إجراءات العضوية الكاملة في "الناتو": ماذا تبقى أمام السويد وفنلندا؟

إجراءات الانخراط في حلف شمال الأطلسي: ما الذي تبقى أمام السويد وفنلندا للعضوية الكاملة؟

29 يونيو 2022
وصف ستولتنبرغ دعوة فنلندا والسويد للانضمام لناتو بـ"التاريخية" (Getty)
+ الخط -

مع إعلان أمين عام حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ينس ستولتنبرغ، ظهر اليوم الأربعاء، أن الحلف اتخذ قرارا، وصفه بـ"التاريخي"، بدعوة السويد وفنلندا إلى عضوية الحلف، يكون قد أُسدل الستار على لائحة طويلة من اشتراطات ما قبل العضوية التامة، بحسب معاهدة الحلف من عام 1949. 

وتلك اللائحة تعتبر بمثابة اشتراطات تتطلب أحيانا سنوات طويلة لتلبيتها في الدول الراغبة بالعضوية.  

فالبلدان، السويد وفنلندا، اجتازا مسألة الموافقة المحلية، من خلال المؤسسات الديمقراطية المحلية، أو من ممثلي الشعب المنتخبين، قبل تسليم الطلب إلى مقر الحلف في بروكسل. 

والآن، وبعد تذليل العقبة التركية، إثر الاتفاق بين الأطراف، أمس الثلاثاء، وبمشاركة "ناتو" وواشنطن، فإن مسألة العضوية تتسارع، لأسباب تتعلق أساسا بوضع الدولتين المرشحتين؛ فأحد أهم الاشتراطات المتعلقة بموافقة الدول الـ30 حسمت في قمة مدريد، لكن يبقى أمام برلمانات تلك الدول، أو بحسب أنظمة عمل الدول، التصديق على عضوية البلدين. وبعض الدول لا تحتاج لمناقشة ذلك في البرلمانات، بل يكفي تصديق وزارة الخارجية، وذلك يعني تقنيا أن استوكهولم وهلسنكي تتطلعان إلى استكمال الإجراءات في تلك الدول قبل أن تصبح عضوية تامة.  

صحيح أنه لا إطار زمنيا محددا للتصديق على عضوية البلدين على مستوى برلمانات ومؤسسات الدول الأعضاء (بحسب ما تنص الدساتير)، إلا أن حالة السويد وفنلندا تسهل بشكل كبير المصادقة عليهما.  

فمن ناحية الاشتراط الأطلسي على الأعضاء الالتزام بمعاهدة "ناتو"، وعلى رأسها قضية "المادة الخامسة" التي تبدي فيها الدول جاهزيتها للالتزام بمبدأ أن الاعتداء الحربي على دولة بمثابة اعتداء على جميع أعضاء الأطلسي، فقد لبى البلدان ذلك الشرط. وذلك يستوجب الانخراط الفعلي، وتوفير كل ما أمكن على مستوى الدفاع والأمن في سياق تطبيق ذلك المبدأ.  

والمادة الخامسة جرى عمليا تفعيلها للمرة الأولى منذ تأسيس الحلف إثر "هجمات 11 سبتمبر" 2001، وفي اليوم التالي تماما طبق مبدأ الدفاع المشترك، وانخراط الدول الغربية في ما عرف باسم "الحرب على الإرهاب" التي خاضتها واشنطن، بداية من أفغانستان ثم غزو العراق 2003. 

إذًا، فإن استوكهولم وهلسنكي تتخليان تماما عن سياسة عدم الانحياز إلى الأحلاف، والتي صبغت سياسات البلدين منذ الحرب العالمية الثانية، وما قبلها.  

أما الاشتراط القائل بأن "عملية" تقودها الدولة المرشحة، وبمساعدة الحلف، لدمج أنظمة تسلحها وتدريب جيوشها وتركيبتها بما يتوافق والأطلسي، فهو أيضا ليس بغريب على البلدين، إذ تسارعت وتيرة تنسيقهما مع الدول الأعضاء ومع الحلف نفسه منذ 2014.

وتشارك الدولتان في معظم مناورات وتدريب الأطلسي، وخصوصا خلال الأشهر القليلة الماضية. وبالتالي، ما يعتبر عادة "امتحانا" يجب النجاح فيه أمر محسوم في البلدين. وريثما تتم عمليات المصادقة على مستوى الدول، لا تبقى الدول المدعوة والمندمجة في الهيكلية العسكرية لحلف "ناتو" بدون ضمانات، بل في الحالتين قدم الأطلسي للبلدين ضمانات أمنية كافية في مواجهة أي هجوم روسي. 

الاشتراط، أو دراسة الأطلسي، ما إذا كانت الدول المرشحة تلبي المعايير الديمقراطية، وأنها بالفعل ديمقراطيات تتبنى قيم ومبادئ فصل السلطات، والانتخاب الحر لممثلي الشعب، فذلك أيضا ليس على طاولة أي من برلمانات الدول الأخرى، كما يتطلب القبول عادة لفحص النظامين السياسيين السويدي والفنلندي. 

وبشكل ما، لعبت رياح الغزو الروسي لأوكرانيا (منذ 24 فبراير/شباط الماضي) في اتجاه مسارعة البلدين إلى عملية انضمام كامل في الحلف الغربي. وبدون الحرب، وتكرار ما يصفونه بـ"استفزازات روسية" وتهديد وانتهاك السيادة جوا وبحرا، ما كان من السهل على ساسة البلدين تأمين أولى الاشتراطات المتعلقة بموافقة داخل البلد المرشح.  

وبالرغم من أنه عدديا قد لا تكون السويد إضافة كبيرة، بجيشها الصغير، لكنها مع فنلندا، القادرة على حشد مئات آلاف الجنود والمقاتلين، تشكلان إضافة دفاعية كبيرة للغرب، مثلما تمنحهما المادة الخامسة من معاهدة الحلف مظلة ضمانات بألا يتفرد الروس، أو غيرهم، بهما. 

إجمالا، فإن العضوية الكاملة للبلدين لم تعد مرهونة بتطبيق على المدى البعيد، كما كان الأمر يناقش قبيل الحرب في أوكرانيا. فما كان سيأخذ سنوات ربما لن يحتاج سوى بضعة أسابيع أو أشهرا قليلة، وخصوصا أن العلاقات بين روسيا والغرب لا تبشر بنهاية توتراتها، بل بتصاعد متدرج يحاول كل طرف فيه تجميع أوراق قوته.

وما كان بالأمس القريب ورقة قوة بيد الكرملين؛ أقله على المستوى النفسي للجم ساسة السويد وفنلندا عن اتخاذ تلك الخطوة، أصبح اليوم ورقة غير قابلة للصرف، لا محليا ولا في الإقليم. الأمور تتدحرج إلى حالة انتفاخ قوة غير مسبوقة في تاريخ تأسيس الحلف الأطلسي، واندفاع متتال لنشر المزيد من القوات والعتاد، سواء الأوروبية أو الأميركية، على أراضي القارة العجوز. 

المساهمون