إيطاليا: شبح تجربة بلغاريا وتأثيرات حرب أوكرانيا يهددان حكومة دراغي

إيطاليا: شبح التجربة البلغارية وتأثيرات الحرب الأوكرانية يهددان حكومة دراغي

26 يونيو 2022
انقسام في إيطاليا بشأن الحرب الروسية في أوكرانيا (Getty)
+ الخط -

ظاهرياً يبدو رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي متوافقاً مع الأطراف الأوروبية في الموقف من الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن في أروقة الحكم بروما الأمور مختلفة، مع تزايد الحديث عن محاولات روسية للتأثير في وحدة مواقف القارة العجوز. 

ولا تعني زيارة دراغي إلى كييف على متن قطار ليلي، رفقة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتز، أنه بدّد القلق حيال صمود المواقف الغربية المشتركة، واستمرار الجدية في التصدي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. 

وعلى وقع ما جرى في صوفيا يومي الأربعاء والخميس الماضيين، بإسقاط رئيس الحكومة البلغارية، الأوروبي-الغربي الهوى، كيريل بيتكوف، من خلال اليمين القومي الشعبوي، بدعم من رئيس الدولة المتهم بموالاة بوتين، رومين راديف، تبدو الأمور في روما غير مبشرة. فالأوضاع الاقتصادية في البلد العضو في مجموعة السبع الكبار ليست بخير. وجاءت أزمة الطاقة وارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم، في سياق غربي عام، لتعقد الأمور، وتصب في خانة معسكر يحسب منذ زمن على أنه "ودود مع بوتين".

ماريو دراغي، وهو أيضاً أوروبي الهوى، لا يحسب على تيار سياسي، استطاع أن يشكل حكومة ائتلافية بعد صعوبات كثيرة عاشتها حكومة سلفه جيوزبي كونتي. لكنه اليوم، وعلى وقع ضغوط داخلية، يعيش خلخلة يمكن أن تطيح به وبالعمل الأوروبي المشترك تجاه روسيا.

حلفاء بوتين على الساحة الإيطالية وأكثرهم علاقة بدوائره هم من معسكر اليمين القومي، نُظر إليهم كحصان طروادة لموسكو. والسجالات التي شهدتها روما حول دعم أوكرانيا بالسلاح لمقاومة الغزو الروسي وترت علاقة الرجل ببعض أحزاب البرلمان، الذين يعتقدون أن الغرب يتحمل مسؤولية ما يجري في أوكرانيا، أكثر من مسؤولية موسكو.  

وحركة "النجوم الخمسة" تعيش انقسامات أدت بزعيمها السابق ووزير الخارجية، لويجي دي مايو، إلى التعبير عن غضبه من وجود معسكر في حركته يعارض تسليح أوكرانيا، بل يحسب على أنه أقرب إلى الكرملين.

دي مايو اعتبر، الثلاثاء الماضي، أن ما يقوم به بعض أعضاء البرلمان يقوض الجهود لدعم أوكرانيا، ويضعف موقف روما بين الدول الغربية.

ومن المثير أن رئيس الحكومة السابق، جوزيبي كونتي، يقف أيضاً موقفاً يرفض الدعم بالسلاح باعتبار ذلك "يطيل ويفاقم الحرب"، داعياً في الوقت نفسه إلى "الحوار مع بوتين". 

ويبدو أن كونتي لا يغرد بعيداً عن الشارع، على وقع الأزمات الاقتصادية. وأظهر استطلاع لمحطة التلفزيون الإيطالية Rai1 أن 45 في المائة من الإيطاليين يعارضون شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا.

ويواجه كونتي تحقيقاً برلمانياً بشأن "مساعدات روسيا" في بداية جائحة كورونا، من خلال طائرة عسكرية ضخمة، يجري التحقيق فيما إذ كانت في مهمة تجسس على قاعدة عسكرية إيطالية مجهزة لاستقبال أسلحة نووية.

وكان استطلاع قد أجراه "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" في عشر من دول أوروبا، وشمل 8 آلاف أوروبي، أظهر ميلاً في الشارع الإيطالي بأكثر من 52 في المائة نحو الوصول إلى تفاهم سلمي مع موسكو. ورغم اعتبار 56 في المائة أن بوتين مسؤول عن الحرب (النسبة في المتوسط 73 في المائة في الدول العشر)، حمل 27 في المائة الغرب مسؤولية حرب أوكرانيا.

التعهد الأوروبي بخفض واردات النفط من روسيا بنحو 90 في المائة، وانتهاج موسكو، وفقاً لما يقرأ المتخصصون الاقتصاديون في أوروبا، خفض إمدادات الغاز حتى تتأزم الأمور قبيل التوصل إلى بدائل، يزيد المخاوف من الآثار السلبية لما يسمونه "تدخلات روسية" في الساحات السياسية الحزبية الغربية. وهذه المرة ينظر هؤلاء بجدية إلى انقلاب الوضع في بلغاريا، كنموذج على ما يمكن أن يطاول حكومة دراغي في روما. 

وقبل وصول دراغي إلى رئاسة الحكومة في فبراير/ شباط العام الماضي، كانت الشكوك الغربية تتزايد بشأن التزام روما بعلاقتها المتجذرة مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وخصوصاً بعد فترة من التوترات التي سيطرت على علاقة روما ببعض دول القارة.

فمنذ سنوات، أقام رئيس الحكومة الأسبق، سيلفيو بيرلسكوني، علاقة وثيقة مع بوتين. وجاء زعيم "ليغا"، اليميني المتشدد ماتيو سالفيني، ليعتبر بوتين "مثله الأعلى"، ويزور موسكو رفقة سياسيين يوافقونه ضرورة التوجه أكثر نحو روسيا. ولم تكن حركة "النجوم الخمسة" أقل ميلاً نحو تعزيز الدعاية الروسية، ومهاجمة الناتو باعتباره طرفاً عدوانياً.

برغم أن دراغي حافظ على ائتلافه الحاكم، وتعايش مع التيارات الصديقة لبوتين على الساحة الإيطالية، فإن استغلال حالة الامتعاض في الشارع ليست شيئاً غريباً عن اليمين الشعبوي

وبرغم أن دراغي حافظ على ائتلافه الحاكم، وتعايش مع التيارات الصديقة لبوتين على الساحة الإيطالية، فإن استغلال حالة الامتعاض في الشارع ليست شيئاً غريباً عن اليمين الشعبوي. فسالفيني وكونتي يواجهان مشكلة في تراجعهما باستطلاعات الرأي، مع ما تواجهه حركة "النجوم الخمسة" من انقسامات في الموقف، قد يدفع بتلك القوى إلى سحب الثقة بحكومة دراغي، وخصوصاً إذا ذهب الأخير نحو المزيد من التكاليف الاقتصادية التي تتحملها إيطاليا بسبب العقوبات المفروضة على روسيا. 

إجمالاً، فإن استدعاء التجربة البلغارية إلى روما يعني أن تشقق جدار وحدة المواقف سيصب في مصلحة بوتين، مع الأخذ بالاعتبار أن الاتحاد الأوروبي يعاني أيضاً من تفلت المجر، وتردد فرنسي-ألماني، وتململ آخرين من نهج العقوبات الذي يستمر دون بدائل جدية، قبل موسم الخريف وحاجة أوروبا لملء خزانات الوقود قريباً.

المساهمون