إغلاق الحدود الجزائرية يدفع شباب تونس نحو البحر

إغلاق الحدود الجزائرية يدفع شباب تونس نحو البحر

26 يونيو 2022
كورونا ضرب المرافق الاقتصادية في تونس (الشاذلي بن ابراهيم/ Getty)
+ الخط -

يواصل إغلاق الحدود البرية مع الجزائر خنق المحافظات الغربية لتونس، بسبب توقّف التجارة البينية التي كانت توفّر الرزق لآلاف الأسر في مناطق تصنّف من بين الأضعف في سلّم التنمية في البلاد، بينما يندفع سكان الشريط الغربي نحو الهجرة غير النظامية هرباً من صعوبة العيش والبطالة.

وأغلقت الحدود البرية بين البلدين في 16 مارس/آذار 2020 بسبب فيروس كورونا، وبقيت الحدود مغلقة، فيما كانت تفتح معابر برية محددة في مواعيد محددة لإجلاء الطلبة والرعايا الجزائريين أو التونسيين العالقين بين البلدين، مع تطبيق التدابير الصحية الضرورية.

وفي مايو/أيار الماضي، أعلنت السلطات الجزائرية عن إعادة فتح حدودها مع تونس، لتسهيل نقل السلع وتحسين المبادلات التجارية بين البلدين، بينما يتواصل منع عبور المسافرين.

ورغم تراجع تفشي فيروس كورونا وتخلّي أغلب بلدان العالم عن قيود السفر، لا تزال الحدود البرية بين تونس وجارتها الغربية مغلقة، للصيف الثالث على التوالي.

وبينما كان القطاع السياحي يستعد لاستقبال عشرات الآلاف من السياح الجزائريين، أحبط قرار مواصلة الإغلاق، جهود إنعاش السياحة، وحرم الفنادق والمنتجعات السياحية من أكثر من 1.5 مليون سائح جزائري كانوا يقضون إجازتهم في تونس.

وعموماً، لا تستطيع الرحلات الجوية بين البلدين توفير العدد الكافي من المقاعد لنقل المسافرين في الاتجاهين، إذ كانت المعابر البرية المنفذ الرئيسي للعبور من تونس وإليها.

وتبقى المسالك الجبلية الوعرة والمجازفة بالعبور غير القانوني واحدة من الخيارات التي يضطر إليها سكان المناطق الحدودية لكسب رزقهم، بسبب غياب حلول تنموية توفر لهم البدائل عن لقمة عيش محفوفة بالمخاطر.

ويقول عز الدين، الذي يعيش في مدينة الطويرف بمحافظة الكاف غربي تونس، إنه يضطر باستمرار إلى العبور عبر مسالك جبلية وعرة نحو مدينة سوق هراس الجزائرية بمساعدة مهربين يشتغلون على الخط من أجل جلب سلع متنوّعة يوزعها لاحقاً على التجار في مدينته ومدن أخرى.

ويلفت عز الدين، الذي كان يستعمل عربته للمرور عبر البوابة البرية من ساقية سيدي يوسف قبل إغلاق الحدود، إلى أن حياته أصبحت أصعب بكثير منذ مارس 2020، مشيراً إلى أن دخله من التجارة تراجع بأكثر من 50 في المائة.

ويضيف: "أضطر إلى الدفع للمهربين، كما أدفع أحياناً رشاوى، حتى أحصل على بعض السلع"، مشيراً إلى أن تواصل الوضع على ما هو عليه قد يضطره إلى النزوح إلى إحدى المدن الساحلية بحثاً عن دخل ثابت من خلال العمل في البناء أو في أحد المصانع. يتحدّث عز الدين عن تصاعد موجات الهجرة غير النظامية من أبناء المناطق الحدودية ممن كانوا يشتغلون سابقاً في التجارة البينية مع الجزائر.

ويلفت، في السياق نفسه، إلى أن شبكات الهجرة أصبحت نشطة جداً في منطقته لاستقطاب شباب فقدوا الأمل في حلول التنمية الواهية التي تقدمها السلطة، معتبراً أن البحر أصبح ملاذهم الوحيد مع تواصل إغلاق الحدود الجزائرية التي كانت تمثل الرئة الاقتصادية لجزء من سكان المناطق الداخلية.

وكان من المقرر أن يعاد فتح الحدود البرية بين تونس وجارتها الغربية في 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قبل أن يتقرر إرجاء فتحها في آخر لحظة، كما لم يناقش الأمر مجدداً إبان زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى تونس في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2021.

من جهته، يرى المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، أن تواصل إغلاق الحدود مع الجزائر يمكن أن يفسر تنامي الرغبة في الهجرة غير النظامية داخل تلك المناطق الحدودية.

ويشير بن عمر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ التجارة البينية تمثل مصدر كسب أساسياً للمجتمعات المحلية التي تعاني من محدودية فرص العمل وضعف التنمية في تلك المناطق التي يصعد فيها الفقر إلى مستويات قياسية، يشمل 40 في المائة من السكان في بعض المدن.

ويلفت إلى بروز طفرات هجرة من مناطق جديدة في البلاد سببها الأساسي البطالة وضعف الخدمات العامة، مشيرا إلى أن الجنوب التونسي الذي يعيش من التجارة البينية مع ليبيا شهد الطفرة نفسها عام 2015 عقب أحداث الجدار الحدودي مع ليبيا.

ويقول بن عمر إن المنظومة الاقتصادية تخنق المدن الداخلية التونسية، في غياب بدائل تخفف وطأة الفقر على السكان هناك. مشيراً إلى أن الموسم السياحي كان يستوعب جزءاً من العاطلين عن العمل، غير أن تأثر صناعة السياحة أيضاً بإغلاق الحدود يحد من القدرة التشغيلية للقطاع.

وفي مايو/أيار الماضي، قال المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إنّ أعداد التونسيين الواصلين إلى إيطاليا بلغت 1917 مهاجراً تونسياً غير نظامي، من بينهم 742 مهاجراً وصلوا خلال النصف الأول من مايو.

في المقابل، جرى اعتراض 6485 مهاجراً ومنعهم من السفر. ويبلغ عدد الأسر الفقيرة في تونس، وفق بيانات رسمية لوزارة الشؤون الاجتماعية، 963 ألف عائلة، في وقت لم تسجل فيه البلاد تحسناً في نسب النمو الاقتصادي، وسط ارتفاع معدلات التضخم.

المساهمون