دولة الاحتلال في مرمى المؤسسات الدولية وتقاريرها الحقوقية

دولة الاحتلال في مرمى المؤسسات الدولية وتقاريرها الحقوقية

26 يونيو 2022
استبدال السياج الفاصل بجدار الفصل العنصري شمالي الضفة الغربية (أمير ليفي/Getty)
+ الخط -

صدرت عدة تقارير عن منظمات دولية، تصف دولة الاحتلال بدولة الفصل العنصري (الأبارتهايد)، وذلك رجوعاً للوائح الأمم المتحدة القانونية، التي حاربت هذا النمط في جنوب أفريقيا، من أبرز التقارير التي صدرت في هذا الجانب تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، جاء التقرير بعنوان "الممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني ومسألة الأبارتهايد (الفصل العنصري)"، صدر التقرير بتاريخ الخامس عشر من مارس /آذار لعام 2017. قام بكتابة تقرير منظمة الإسكوا الخبير القانوني الدولي ريتشارد فولك، والخبيرة القانونية فرجينيا تيلي، بتكليف من الإسكوا، وسبب التقرير في حينها عاصفة في أروقة الأمم المتحدة، حيث استقالت الدكتورة ريما خلف، التي شغلت حينها منصب الأمينة التنفيذية للإسكوا، على خلفية الضغوطات بتقليص ميزانية الإسكوا، من أجل سحب التقرير عن موقع المنظمة.

لاحقاً؛ صدرت عدة تقارير عن منظمة العفو الدولية، وعن منظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة)، كذلك مؤسسة "يش دين" الإسرائيلية (منظمة متطوعين لحقوق الإنسان)، وهيومن رايتس ووتش، وصفت تلك التقارير إسرائيل بأنها تمارس الأبارتهايد؛ الفصل العنصري، في كافة الاراضي الفلسطينية، وضد مواطنيها العرب.

تتجلى أهمية التقارير الصادرة عن المؤسسات والمنظمات الدولية بعدة جوانب:
أولاً الجانب القانوني: أثبتت التقارير الصادرة بالاستناد إلى التحقيقات العلمية والأدلة الدامغة أن إسرائيل مدانة بارتكاب جريمة الفصل العنصري الأبارتهايد، وحثت المنظمات التي صدرت عنها التقارير الأمم المتحدة على إكساب تلك التقارير سلطة، بضرورة صدور حكم على إسرائيل من محكمة دولية، وذلك عن طريق تنفيذ توصيات التقارير الدولية من قبل الأمم المتحدة، باستيفائها لمسؤولياتها الدولية فيما يتعلق بتنفيذ القانون الدولي، وحقوق الشعب الفلسطيني، باعتبارها مسألة ملحة وطارئة، لأن الأوضاع التي تتناولها التقارير أوضاع مستمرة، عكس التقارير الأممية السابقة، التي تناولت التحقيق في مسائل مماثلة في دول أخرى، حيث حققت في أوضاع منتهية.

حثت الجهات الصادرة عنها التقارير الأمم المتحدة على ضرورة اتخاذ إجراءات فورية، بسبب خطورة الاتهامات التي تمخضت عنها التحقيقات العلمية في التقارير. فركزت التقارير على الدعوة من أجل إعادة إحياء "لجنة الأبارتهايد"، في الأمم المتحدة على مستوى الجمعية العمومية، حيث تعود هذه اللجنة للعام 1973، حين تم إقرار معاهدة الأبارتهايد، وتمخض عن ذلك القرار تشكيل لجنة لمتابعة تطبيق المعاهدة، في سبيل إزالة ومنع الأبارتهايد، والمحاسبة عليه، وتمثل هذه اللجنة أهم آليات تنفيذ الاتفاقية، ومارست اللجنة دوراً قانونياً وحقوقياً وسياسياً فاعلاً في جنوب أفريقيا، وتم إلغاء تفعليها منذ سقوط الأبارتهايد هناك عام 1994.

ثانياً: الأهمية العالمية في تشكيل رأي عام عالمي ضد الممارسات الإسرائيلية: تشكل التقارير التي تمخضت عن تحقيقات علمية، والصادرة عن مؤسسات دولية، إحراجاً عالمياً لدولة الاحتلال وحلفائها، لذلك استخدمت دولة الاحتلال كافة وسائل الضغط على المنظمات التي صدرت عنها تلك التقارير، في سبيل سحبها، عبر التهديد بتقليص ميزانيات الأمم المتحدة، وتوجيه تهم معاداة السامية لها، وغيرها من وسائل الضغط.

عندما قامت الحملة الدولية لمناهضة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، اكتسبت تلك الحملة زخماً عالمياً واسعاً في سبعينيات القرن الماضي، واعتبرت منظمة الأمم المتحدة وكذلك الرأي العام العالمي الدولي جريمة الفصل العنصري الأبارتهايد في المرتبة الثانية بعد الإبادة الجماعية في التسلسل الهرمي للأعمال الإجرامية، لذلك ساهم توصيف التقارير الدولية لدولة الاحتلال بدولة الفصل العنصري في الضغط من أجل اتخاذ إجراءات عاجلة دون انتظار تصريح رسمي بذلك، من أجل إدانة إسرائيل وحكوماتها ومسؤوليها، لارتكابهم جرائم الفصل العنصري الأبارتهايد، مستفيدة بذلك من  القوانين الدولية والأممية الواضحة بشأن جريمة الفصل العنصري ومناهضة العنصرية.

لن تقدم أي دولة على دعم طلب تفعيل لجنة مكافحة الأبارتهايد من دون قرار فلسطيني

أبرز تجليات الأهمية العالمية لتلك التقارير وتأثيرها على تشكيل الرأي العام العالمي نتائج أحدث استطلاع رأي، والصادر عن مؤسسة (Pew Research) ذات المصداقية العالية، الذي أظهر نسبة تأييد أكبر للفلسطينيين في صفوف الشباب الأميركي بنسبة 31% مقابل 56% فقط للإسرائيليين في العام الحالي، وشكلت هذه النسب فرقاً واضحاً عن نتائج الاستطلاعات في السنوات السابقة، مما يعكس حالة توازن في النظر للفلسطينيين، وتحول واضح في الموقف الشعبي، وبالتالي الحزبي الأميركي اتجاه الفلسطينيين.

تضغط هذه التحولات في الرأي العام في سبيل معارضة اقتراح تجريم مقاطعة إسرائيل في الكونغرس، من قبل عدة قواعد شعبية وحزبية، كما ترفع الأصوات التي تنادي بجعل المساعدات الأميركية لإسرائيل مشروطة بعدم استخدامها ضد الفلسطينيين. 

إضافة إلى الضغط الشعبي من أجل اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان حماية المدنيين الفلسطينيين، من انتهاكات الاحتلال وسياسات الفصل العنصري، التي تنتهجها ضدهم السلطات الإسرائيلية، حيث يشكل هذا التحول في الرأي العام الأميركي ورقة ضغط على صناع القرار الأميركي، باتخاذ مواقف متوازنة اتجاه الصراع الإسرائيلي- العربي، تفادياً لعقاب الرأي العام لهم عبر صناديق الاقتراع.

ثالثاً: استحداث منظومة مقاومة فلسطينية وعالمية جديدة للاحتلال الإسرائيلي، تشكل التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية، كونها تقارير تعتمد على تحقيقات دولية علمية، حجر أساس في الدعاوى التي يمكن تحريكها ضد دولة الاحتلال في المحاكم الدولية، حيث أنها تفند الادعاء؛ بأن أي مجهود نقدي لممارسات دولة الاحتلال، يندرج تحت مسمى معاداة السامية، كما يفند الخبراء القانونيين هذا الادعاء، رغم المجهودات السياسية الخارجية لدولة الاحتلال لإثبات العكس، فسبق أن صرحت أنييس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، محرجة وزير الخارجية الإسرائيلي حينها، يائير لبيد، الذي اتهم تقرير منظمة العفو بمعاداة السامية قائلة: "انتقاد ممارسات دولة إسرائيل، لا يعد على الإطلاق شكلاً من أشكال معاداة السامية". وأضافت "تقف منظمة العفو الدولية بقوة ضد معاداة السامية، وضد أي شكل من أشكال العنصرية، وقد نددنا باستمرار بالأفعال المعادية للسامية، وأيضا معاداة السامية من قبل العديد من القادة في جميع أنحاء العالم"، وأضافت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية" أن المنظمة تنشر تقرير يصف ممارسات اسرائيل تجاه الفلسطينيين بأنها "فصل عنصري"، على الرغم من مطالبة إسرائيل بسحبه".

رابعاً: الأهمية التوثيقية للتقارير الدولية، الصادرة عن مؤسسات ومنظمات وجامعات عالمية: توثق التقارير انتهاكات؛ تتضمن مصادرة الأراضي والممتلكات الفلسطينية على نطاق واسع، وعمليات القتل غير المشروع، والتهجير القسري، والقيود الصارمة على الحركة، وحرمان الفلسطينيين من حقوق الجنسية والمواطنة، حيث تشكل تلك الانتهاكات مكونات نظام عنصري تمييزي يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي، وفق ما خلصت إليه منظمة "أمنستي"، وهي بذلك تمثل مرجعية ذات مصداقية عالية للباحثين والحقوقيين والسياسيين وحركة المقاطعة لإسرائيل (BDS)، في سبيل فضح ممارسات دولة الاحتلال، وتفعيل المقاطعة الاقتصادية والثقافية، وغيرها من أشكال المقاطعة، التي تساهم في إحراج دولة الاحتلال وداعميها عالمياً. وتمثل تلك التقارير جزءاً من التوثيق القانوني بالجهد العلمي حول تاريخ العالم، بحيث يضاف لسابقاته من التقارير، التي عالجت الفصل العنصري الأبارتهايد، مع الفرق باستمرارية الانتهاكات، التي يقترفها الاحتلال الإسرائيلي.

تبرهن التقارير على مصداقية السردية التاريخية الفلسطينية عند ربطها بحاضرهم، موضحة العلاقة بين نكبتهم المستمرة، وطبيعة النظام في دولة الاحتلال بوصفه نظام أبارتهايد، وما يقوم عليه من حالة عنف بنيوية، وبذلك هي ترسخ قناعة بأن الانتهاكات التي تمارسها دولة الاحتلال ضد الفلسطينيين جزء من بنية عقائدية مستمرة، وهي قائمة على تفوق عرقي حسب الديانة، كذلك على التهميش والاضطهاد والفصل العنصري ضد الفلسطينيين في كافة أماكن وجودهم.

خامساً: وضع العالم بمؤسساته الحقوقية والقانونية والقضائية أمام مسؤولياته، بضرورة كشف ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من ظلم وإجحاف وانتهاكات واضحة وصريحة، وضرورة خوض معارك المجتمعات المدنية ضد تلك الانتهاكات، ويتحمل المجتمع الدولي الكثير من المسؤولية عن هذه الأوضاع، حيث أعلن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة في مئات القرارات عدم قانونية بناء المستوطنات، وأن إنكار حق تقرير المصير للفلسطينيين ينتهك القانون الدولي.

وجهت المنظمات الدولية كأمنستي والإسكوا إلى مناشدة جميع دول العالم، من أجل ممارسة ولايتها القضائية الشاملة، وحثت على تقديم مرتكبي جرائم الفصل العنصري الأبارتهايد إلى العدالة، وذلك على الرغم من أن التداعيات القانونية تبدو محدودة بالسقف السياسي الدولي والفلسطيني، إلا أن التعويل على فاعلية استثمار التقارير الدولية يظل مرهوناً بمجهودات الجاليات الفلسطينية، والمنظمات المحلية والعالمية، وأصدقاء فلسطين، بوصف قضيتها قضية عادلة. 

سادساً: خلق مناخ عالمي بديل، ومناقض للمناخ الذي تسعى دولة الاحتلال لخلقه، عن طريق حث الدول من أجل اتخاذ خطوات فعلية ضد الأبارتهايد، من ناحية؛ تحديد العلاقة مع دولة الاحتلال، وكيف تتصرف داخل الأمم المتحدة ضمن عملية التصويت لقرارات، ودعم لجان التحقيق الموجودة حالياً، إلى أن تصل إلى النتيجة بضرورة هدم منظومة الأبارتهايد، بالضغط في سبيل اعتماد قائمة من تدابير المساءلة، من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وممارسات الفصل العنصري، في فلسطين المحتلة بصورة كاملة.

بالمحصلة، تعتمد الخطوات الفعلية من أجل قرار تفعيل لجنة مكافحة الأبارتهايد، على قرار الجمعية العمومية، والمطلوب من فلسطين كدولة عضو مراقب؛ بسبب محدودية قدرتها على تحريك طلب القرار لوحدها؛ أن تتحرك على مستوى الدول الصديقة، كجنوب إفريقيا، التي أبدت استعداداً لدعم هذا القرار. إذ لن تقدم أي دولة على دعم الطلب من دون قرار سياسي فلسطيني قوي وواضح على هذا الصعيد، وهنا يتمثل التوظيف الفعلي؛ لأهمية التقارير الصادرة عن المؤسسات والمنظمات الدولية.