مفردات من الواقع

مفردات من الواقع

25 يونيو 2022
+ الخط -

احتضنه في بيته وقدم له ما استطاع من خدمات، فضلاً عن مساعدته مادياً. جلّ هذه الخدمات لم يصرف عنه ما كان يخطط للإساءة إلى صديقه وإلى سمعته، دون مبرر، ولم يعرف ما الدافع إلى كل ذلك اللؤم والحسد، والكره الأعمى الذي لم يوفره حتى لأقرب الناس له. هذه طبيعته التي جُبل عليها، وتربيته التي عاشها منذ الصغر في ظل والدته غريبة الديار عن أهل بلده، بينما والده البسيط المتواضع، الطيب في مقامه وفي أخلاقه، كان يحب الناس ويعطف عليهم ويودهم، ويتمنى أن يكافئهم لو استطاع فرداً فرداً، ليس من باب رد الجميل لأحد، وإنما هكذا هي طبيعته، وهذا ما عُرف عنه.

كان طيب القلب، رحيماً، عطوفاً ومحباً للغير. طالما يرسم حياته بحب الناس، والركض أمامهم في تقديم ما أمكن من مساعدة وعون لهم، إلّا أنه لم يستطع أن يؤثّر ذلك في من حوله، وفي أسرته بصورة خاصة.

الفقر الأسود الذي كان يعاني منه طوال سنوات، دفع والده إلى البحث عن منفذ للخلاص من الحاجة والفقر المدقع الذي تعاني منه أسرته التي كانت تتدثّر بغرفة وحيدة مبنية من الحجر الغشيم، وحاول أخيراً السفر إلى خارج بلده للبحث عن رزقه ليعيش حياة كريمة أسوة بغيره، ويأوي أهل بيته من واقع أليم حل بهم.. ونجح في ذلك بعد جهود متعثرة!.

 لم تبؤ جهوده بالفشل، فانتفض بقوة وجابه الصعاب، ورسم خطة للسفر إلى خارج مدينته. تحمّل تبعات ذلك، واستدان مبلغاً مادياً من أحد الأصدقاء ليتمكن من السفر الذي استعد له إلى إحدى الدول العظمى، وهناك سعى جاهداً ودأب في العمل، ومكث مطولاً حتى تمكن من جمع ما استطاع من مال أنفقه على بناء غرفة إضافية كانت بالنسبة إليه حلماً كان يراوده، وعاش مع أسرته فيما بعد حياة سعيدة، قوامها المحبة والدفء.

لم يطل ذلك الدفء طويلاً إلى أن فارق الحياة، وهو مرتاح البال، وما ترك من إرث لم يرضِ أولاده، فاندفعوا محاولين الركض كل باتجاه لتحسين الصورة التي هم عليها، والمحاولات أخيراً حصد نتائجها أبناؤه بعد أن دمرت الحرب منازلهم، وقتل من قتل، وتشرد من تشرد من معارفهم وأصدقائهم.

 أعداد كثيرة من أبناء جلدتهم حل بهم الإجهاد والفقر، والإبعاد عن مكان إقامتهم بعد أن أفنوا شبابهم في إعمارها!.

عاش أبناء ذلك الإنسان الطيب في تلك البلاد الغريبة، وعركوا الحياة برغم قسوتها، وتحملوها على مضض، وعانوا الفقر والحاجة واستمروا، ومنهم من غادر إلى الدول الأوروبية بعد محاولات وجهد مضنٍ، وها هو اليوم يعيش هناك هرباً من الحال المؤسي الذي كان يعيشه، والفقر والذل الذي همّش مسير حياته، وأدماها.

في تلك البلاد عاش فترة من الوقت بانتظار منحه الإقامة أسوة بغيره من المهاجرين الجدد الذين فضلوا اللجوء إلى تلك البلاد التي تخوله العيش باستمرار بأمان، ويتمتع أهلها بالولاء والحب، ولم يقفوا يوماً في وجه أحد من اللاجئين، وفي تقديم يد المساعدة لهم، بل عاشوا حياة مترفة لم يسبق أن عاشوها، أو حلموا لمجرد الحلم بها، ومبادرة الحكومات بتقديم ما أمكن من خدمات وبالمجان، فضلاً عن دعمهم مادياً، ومساعدتهم كلما تتطلب منها ذلك.

أمثال هذه النخبة من الناس الذين عاشوا متطفلين على غيرهم، حاولوا مراراً الضحك على ذقون الناس البسطاء للنيل منهم، والإيقاع بهم، واستغلال طيبتهم. هؤلاء لا بد من أن يأتي اليوم الذي سيكون لهم حكايات أخرى مع هذا الزمن الذي سوف يعريهم ويكشف ألاعيبهم، على الرغم من الاهتمام الكبير الذي سعت تلك الدول، جاهدة، وأهلها بذل ما بوسعهم ومساعدتهم في سبيل احتضانهم والدفاع عنهم، وبكل حب.

 

***

هُناكَ أشخاصٌ مذمومون ومبتلون بآفة العصر الذي نعيش، واقتصار دورهم على كيل التهم وشتم الناس بعبارات مسمومة من أجل النيل من نجاحاتهم في الحياة، وهم في واقع الحال حثالة على المجتمع وعلى المحيط الذي يعيشون فيه، وهم بحاجة ـ بلا شك ـ إلى التقشير وبالسيف البتّار للنيل منهم والقضاء عليهم وإقصائهم كليةً، وعلى الآخرين أن يتجمّلوا بالصبر، وتحاشي أمثال هؤلاء ونظرتهم البغيضة الحاقدة الذين يُعنْوِنون حياتهم بالبلاهة والصفاقة.. وليس لديهم ما يبررونه من أفعال سيئة وخبيثة ومدسوسة، إلا أن يقوموا بلعن الآخرين، واتهامهم بقصص "معتة"، فضلاً عن الانتقاص من مكانتهم وتجربتهم وخبراتهم ومعرفتهم بالحياة التي قضوا فيها أشواطاً مُبعدة، إن لم تكن أميالاً وأميالاً طويلة حتى تمكنوا من الوقوف على تصوير الحقيقة ومعرفتها، وغرفها من تجاربهم الخاصة، وتظل محاولاتهم بائسة مبتورة، والمجتمع وحده القادر على إنصافهم.

إنَّ أمثال هؤلاء مبتلون، أصلاً، بآفة الكذب والنفاق وخداع الناس، وليس لديهم ما يخسرونه في هذه الحياة، والأنكى من ذلك أن أقرب الناس إليهم يصدقونهم ويفعلون دورهم ويقدرون مهاراتهم المبطنة بالخداع والكذب، وتصويرهم الحياة على أنها تقتص منهم وحدهم، ولا ذنب لهم سوى أنهم أبرياء مما يقومون به بالسخط عليهم!.

أمثال هذه النخبة من الناس، ممن يظنون أنهم من نجباء المجتمع، الذين يظهرون علينا بين ليلة وضحاها ويقولون ما لا يفعلون، ويتغنون بفضاءات مفتوحة، وعلب مكدسة، وبتراتيل مغناة، بقصد الإساءة للآخرين، ولفت الأنظار إليهم بتشويه سمعتهم لأسباب هم يعرفونها تماماً، وهذا ما صرنا نقرأه، وبكثرة في هذه الأيام، وعبر صفحات "فيسبوك"، بعيداً عن أي ضوابط مهنية أو أخلاقية، والهدف منه الإساءة للآخرين ووصفهم بأقذع العبارات التي لا تمت إلى الواقع بصلة، فقط من أجل الاستهزاء والإضرار بهم، والنيل من كرامتهم. وهذا ما يظهره الواقع مستقبلاً الذي سيعرّي الحقيقة، ولا سيما أن الشمس لا يمكن أن تُحجب بغربال!

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.