زرع الأعضاء... رحلة عذاب لمغاربة يأملون بقانون

زرع الأعضاء... رحلة عذاب لمغاربة يأملون بقانون

24 مايو 2022
يبحث آلاف المرضى المغاربة عن زرع أعضاء (جلال مرشدي/ الأناضول)
+ الخط -

"مؤلم أن يعيش شخص تحت رحمة علاج مستمر يحدد مصير حياته، ويرهن وجوده بأمل يحتاج إلى انتظار طويل من أجل العثور على مخرج عبر إجراء عملية لزرع عضو بشري". هكذا يصف مصطفى السلامي (45 عاماً) معاناته المستمرة منذ سنوات بعد إصابته بقصور وفشل كلوي، ويتطلع في كل لحظة إلى أن يحظى بفرصة ثمينة للحياة عبر إجراء عملية لزرع كلية يوفرها متبرع، وهو حال آلاف المغاربة أيضاً.
منذ أكثر من خمس سنوات تغيّرت حياة السلامي جذرياً على الصعيدين الشخصي والعملي، وتحوّلت إلى رحلة عذاب من بيته إلى مركز غسل الكلى 3 مرات أسبوعياً، فيما تعتبر فرصته محدودة جداً في إيجاد متبرع تربطه به علاقة قرابة، كي يخضع لعملية زرع كلية، ويعود إلى حياته الطبيعية.
يقول لـ"العربي الجديد": "تتفاقم معاناة مرضى القصور الكلوي نتيجة كلفة العلاج الباهظة في المراكز الطبية، هذا إن وجدوا مكاناً شاغراً وفرصة للإفادة من عملية لزرع كلية تتطلب بدورها تكاليف مالية مرتفعة، والانتظار ضمن قائمة طويلة جداً تجعل العديد من المرضى يموتون يومياً لعدم توافر فرص للإفادة من عمليات زرع أعضاء يفترض أن تجري في الوقت المناسب".
ومع استمرار ارتفاع عدد الإصابات بالفشل الكلوي في المملكة، وصولاً إلى أكثر من 32 ألفاً حالياً، ووجود الآلاف على قوائم انتظار متبرعين محتملين، يبقى أمل السلامي معلقاً بمشروع قانون تحضّره الحكومة لتشجيع التبرع وعمليات زرع الأعضاء وتوسيع فئات المانحين.

تراجع بعد ريادة
عام 1985 كان المغرب بين الدول العربية السبّاقة في إجراء عملية زرع عضو بشري في مستشفى ابن رشد بمدينة الدار البيضاء، لكن الأرقام التي سجلت حتى الآن في المستشفيات المغربية الثمانية الرئيسية ظلت متواضعة، رغم أن عمليات زرع الأعضاء تعتبر مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى آلاف المرضى.
وتفيد الأرقام بأن عمليات زرع الكلى في المغرب لم تتجاوز 735، شملت أكثر من 40 طفلاً، وعمليات زرع القلب 4 فقط، وزرع الكبد 28، وزرع قرنية العين 5 آلاف...
ويسمح القانون المغربي الحالي بالتبرع بأعضاء بشرية وفق ضوابط صارمة تتمثل بأن يكون الغرض من التبرع بالأعضاء أو أخذها أو زرعها لتحقيق هدف علاجي أو علمي، وعدم لحاق أي ضرر بالمتبرع. ويحصر القانون التبرع "بكل جزء من جسم الإنسان، والأنسجة البشرية باستثناء تلك المرتبطة بالتوالد".
وبغضّ النظر عن غرض التبرع، يشترط القانون أن يكون المتبرع على علاقة قرابة بالمريض، كذلك يسمح بأن يتبرع أزواج بأعضاء لبعضهم، شرط مرور عام على الأقل على عقد القران.
ويطالب القانون أيضاً بالحصول على موافقة مكتوبة من المتبرع لإجراء عملية الزرع، ويصدّق عليها القضاء. وهو يفسح في المجال أمام هذا المتبرع لتغيير قراره في أي وقت، ويشدد على ضرورة أن تحصل عمليات نقل الأعضاء وزرعها في مستشفيات تخضع لإشراف أطباء ذوي كفاءات عالية، ويحظر أيضاً الاتجار بالأعضاء البشرية.
وتشير إحصاءات وزارة الصحة والحماية الاجتماعية إلى أن عدد المتبرعين المحتملين المسجلين لدى المحاكم الابتدائية لا يتجاوز 1500، وأن جلّ الأعضاء البشرية حصلت عليها المستشفيات فور تسجيل حالات الوفاة في الأماكن، بعد التنسيق مع أسر المتوفين.

الصورة
يحتاج تشجيع التبرع بالأعضاء إلى قانون واضح (فاضل سنّا/ فرانس برس)
يحتاج تشجيع التبرع بالأعضاء إلى قانون واضح (فاضل سنّا/ فرانس برس)

مشروع قانون جديد
وفيما يعتبر عدد المتبرعين بالأعضاء ضئيلاً جداً، أعلن وزير الصحة والحماية الاجتماعية خالد آيت الطالب، أخيراً، أن الحكومة تعمل لوضع قانون جديد خاص بالتبرع وزرع الأعضاء يستهدف توسيع شروط الإفادة من عمليات تلقي الأعضاء وزرعها لمعالجة حالات مرضية تتطلب زرع أعضاء أو أنسجة".
وسيضم القانون الجديد أي شخص لا يقصد المحكمة لإعلان رفضه التبرع بأعضائه بعد وفاته، باعتبار أن الدراسات النفسية التي أجراها المجلس الاستشاري لزرع الأعضاء والأنسجة البشرية أكدت صعوبة أن يتوجه شخص على قيد الحياة إلى المحكمة لتسجيل رفضه التبرع بأعضائه بعد موته. ويؤكد المجلس أنه ستُستشار عائلة أي شخص يتوفى لم يسجل نفسه في المحكمة كرافض للتبرع.
ويحدد القانون الحالي الخاص بأخذ الأعضاء والأنسجة البشرية وزرعها، نوعين من التبرع، أولهما إخراج أعضاء من شخص حيّ، والثاني إخراج أعضاء من شخص متوفى. وبالنسبة إلى الحالة الأولى، يشمل الإجراء بحسب ما يورد القانون "الأصول أو الفروع أو الإخوة والأخوات أو الأخوال والخالات أو الأعمام والعمات أو الأولاد، إضافة إلى الأزواج بعد مرور سنة من الزواج".

الصورة
تظل أرقام عمليات الزرع في المغرب متواضعة جداً (فاضل سنّا/ فرانس برس)
تظل أرقام عمليات الزرع في المغرب متواضعة جداً (فاضل سنّا/ فرانس برس)

أما الحالة الثانية، فتشمل "الأشخاص الذين عبروا عن رغبتهم في التبرع بأعضائهم، حين كانوا على قيد الحياة، أو من لم يسبق أن أبدوا رفضهم لأخذ أعضائهم، ما يجعلهم موافقين ضمناً على أخذ أعضائهم، إن لم يعترض الزوج أو الأصول أو الفروع".
ولكون مشروع قانون الحكومة المغربية يهدف إلى تطوير قانون التبرع بالأعضاء من خلال بلورة اقتراحات عملية جديدة لمواجهة الإشكالات الطبية التي يطرحها القانون السابق الصادر عام 1998 على صعيد التبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية وأخذها وزرعها، ترى رئيسة الجمعية المغربية للتبرع بالأعضاء والأنسجة سامية العلمي، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "مشاكل التبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية مطروحة منذ سنوات في المغرب، لأن ثقافة التبرع ضعيفة للغاية مقارنة بالدول الأوروبية، وحتى في بلدان مجاورة على غرار تونس".

وتلفت إلى أن "بعض الإشاعات والأفكار المغلوطة لا تشجع الناس على التبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية، وبينها الخضوع لعمليات متاجرة بالأعضاء، أو تحريم التبرع بها. كما أن العديد من المرضى يصطدمون بعوائق في أثناء عمليات التبرع بالأعضاء، أبرزها غياب التغطية الصحية ومحدوديتها، لأن الشخص المتبرع بعضو أو نسيج بشري معين يتحمل تكاليف التحاليل الطبية المتعددة قبل تنفيذ عملية التبرع، ولا سيما إذا كان يتعالج من مرض معين".
وتؤكد أن "الحكومة مطالبة باعتماد استراتيجية واضحة للتواصل كي يدرك المواطن كل مراحل عملية التبرع بالأعضاء، ويحصل على المعلومات القانونية والطبية المتعلقة بها".

المساهمون