لبنان بعد الانتخابات البرلمانية

لبنان بعد الانتخابات البرلمانية... أزمة مفتوحة ومعارك محتملة

20 مايو 2022
+ الخط -

أما وقد انتهت الانتخابات البرلمانية في لبنان وصدرت نتائجها، فلا بد من الانتقال إلى المرحلة التالية والتحضير لها جيدا، خصوصا أنها تحمل في جعبتها استحقاقات كبيرة وخطيرة لا تقل أهمية عن الاستحقاق البرلماني، الذي أتى على عكس ما اشتهت العديد من القوى السياسية التقليدية، وعليه، فإن ما سنشهده هو تأسيس للمرحلة القادمة ربطا بالتطورات الإقليمية المتسارعة في المنطقة، وما يمكن أن يتمخض عنها.

والأكيد أن لبنان بات يشكل جزءا من ملف إعادة رسم الخريطة السياسية الجديدة للشرق الأوسط، لذا فإن كل هذا الاهتمام الدولي والعربي به ما كان ليكون لولا الموقع الجيوسياسي للبنان كدولة تتوسط سورية وإسرائيل وتتنازع معهما حدوداً برية وبحرية، بالإضافة لسلاح حزب الله كعامل تفاوض وتسويات لضمان الوجود، وفي كل الحالات، فإن الانطباع الدولي والعربي الأولي حول الانتخابات النيابية هو بنجاح الرهان بضرورة حصولها.

وبالتالي، فإن الرقابة الدولية الصارمة والتلويح الدائم بعصا العقوبات للأطراف التي كانت تفضل تأجيل الانتخابات، وهي كثيرة، وعلى رأسها التيار الوطني الحر، أنتجت حصول هذه الانتخابات في موعدها المحدد معطوفة على انتخابات للمغتربين، وهو ما يعني فعليا عدم السماح بالاستمرار في تهديم آلية عمل النظام الديمقراطي في لبنان والمؤسسات الدستورية، وعلى رأسها البرلمان.

وهذا ما تعتبره العواصم الغربية والعربية إنجازا في حد ذاته، وهذا الاستحقاق، والذي ضمنه أمنيا وميدانيا الجيش اللبناني، على الرغم من الانهيارات التي لحقت به كونه مؤسسة مرتبطة بميزانية دولة أفلست، وهو رغم كل ذلك أمن الحماية لهذه الانتخابات بالقدرات المتاحة على الرغم من بعض التجاوزات والخروقات التي حصلت، لكن القوى العسكرية، وقياسا إلى الظروف السائدة، فعلت أكثر ما يمكن أن تفعله، وبقيت على مسافة واحدة من جميع الأطراف رغم التصويب السياسي الذي شنه جبران باسيل وسليمان فرنجية عشية الانتخابات على قائد الجيش حول طموحه الرئاسي والمنافسة المرتقبة.

بدا واضحا وجليا الفيتو السعودي على إعادة تكليف نجيب ميقاتي لأي حكومة تدير مرحلة الفراغ الرئاسي والذي يبدو أنه سيطول

والأكيد أن نتائج الانتخابات البرلمانية باتت تمثل تحولا كبيرا في بنية المجتمع اللبناني السياسية، حيث ستتحول قوى المجتمع المدني اللبناني تدريجيا إلى قوى مجتمع سياسي متمرس بالحياة العامة وتوازناتها وتحدياتها، وسيكون الأداء العملي مغامرة كبرى لمستقبل هذا المجموعات.

بالمقابل، فإن حزب الله لم يعد يمكنه السلوك بليونة حيال خسارته الأكثرية النيابية. فما جرى محطة مفصلية تشبه منعطف العام 2005 على صعيد الانقسام الواسع وانسحاب السوري وترك البلاد للحزب وتصوراته السياسية والاجتماعية، والتي أنتجت في العام 2019 إفلاسا ماليا وتدميرا للبنية المركزية للدولة لصالح منطق ومفهوم المليشيا.

بالمقابل، فإن نتائج هذا الاستحقاق الكبير ستعيد خلط أوراق الاستحقاقات المحلية المرتبطة بالاهتمامات الدولية والإقليمية، وعلى رأسها انتخاب رئيس جديد للبلاد خلفاً لميشال عون، الذي سيخرج نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2022 تاركاً الكرسي للفراغ المفتوح، وهذه الانتخابات حددت للجميع أوزانهم التمثيلية، وتحديدا المسيحية منها، بعد خسارة التيار الوطني الحر الأكثريةَ المسيحيةَ، وسليمان فرنجية محاولات تشكيل كتلة برلمانية تخوله التفاوض على سدة الرئاسة الأولى.

وهذه الانتخابات تعني أمراً واحداً: لن يكون لا جبران باسيل ولا سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية، أقله بمعطيات الانتخابات النيابية واللحظة السياسية الراهنة. وبات لزاما على حزب الله وباقي المكونات البحث عن مرشحين جدد يتناسبون مع الظرف السائد وتوزيع القوى الحالي لهذا البرلمان، وإيجاد أسماء لمرشحين من غير الأقوياء ومن غير المتداولة أسماؤهم حاليا.

وبناء على هذه المعطيات الجديدة التي بدأت تتبلور بوضوح، والتي تكرست بالإعلان الرسمي والنهائي عن النواب الذين فازوا في السباق إلى البرلمان الجديد، ووضعت اللمسات الأخيرة على الصيغة شبه النهائية التي تفرزها النتائج النهائية، وما أوحت به من توازن دقيق يقود إلى مستقبل غامض يوحي بإمكان الانتقال الى المربع السلبي كما الإيجابي في آن. وهو أمر بات رهنا بالقدرة على إدارة النزاع في الفترة المقبلة، وإمكان ولادة تحالفات سياسية جديدة يمكن أن تنتهي إلى توليد المخارج الممكنة لتجاوز العقبات المقبلة على خطورتها، ومعها المصاعب التي رفعت من نسبة التحديات أمام المجلس النيابي الجديد.

وعليه، فإنّ التوازن الدقيق المحفوف بمخاطر الوقوف عند حافة الانقسام الحاد بين الكتل النيابية بين طرفين محوريين أساسيين، أحدهما يرفع شعار الممانعة الذي بات في كماشة المتربصين، وآخر يدعو إلى الحياد عن الشرق والغرب وإعادة ترميم العلاقات مع العالم العربي، والخليجي تحديداً، ومواجهة حزب الله وخياراته السياسية، في مقابل ممثلي القوى التغييرية التي حجزت مقاعدها في مواجهة متعددة الاتجاهات وضد القوتين اللتين تمثلتا بقوى وأحزاب السلطة وتسوية العام 2016، التي عقدت بين حزب الله وتيار المستقبل والتيار الوطني الحر، وتلك التي زاوجت بين قوى التغيير والأحزاب المقبولة في بيئتها.

وتؤدي هذه الوقائع إلى الكثير من المعارك السياسية الشرسة. وقد تؤدي إلى شلل تام أيضًا. أولا، شلل مسيحي بسبب التوازن القائم بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، وتحديداً في رئاسة الجمهورية. والشلل حاضر في البيئة السنية التي توزع ممثلوها على جهات مختلفة، في ظل ما يحكى عن التجديد للرئيس نجيب ميقاتي أو الإتيان بشخصية مدنية مقبولة سنيا ووطنيا وعربيا ودوليا وترضي قوى التغيير.

لكن فإن حزب الله عبر لسان أمينه العام يريد القول إن علينا تحييد النقاش والبحث في السلاح والصواريخ والمشاركات العسكرية في المنطقة، والذهاب إلى الشراكة في الحكم، طالما أن عدم فوز أي طرف بالأكثرية يعني الاتفاق على تسوية جديدة انطلاقاً من الظرف القائم. وهذا تمهيد لطرح فكرة حكومة سياسية تضم الكتل النيابية كلها، وخاصة كتلة المجتمع المدني وقوى التغيير، ما يعني العودة إلى حكومات الوحدة الوطنية التي أثبتت فشلها في إيجاد حلول للأزمات.

وموقف الحزب يتوافق مع ما طرح جبران باسيل، والذي أعلن رفضه حكومة التكنوقراط. فيما حزب القوات اللبنانية وكتل المستقلين والتغيير لن يفضلوا العودة إلى هذه الصيغة انطلاقا من مشروع يقول بأن يسلم البلد لحزب الله وفريقه منفردا وعدم إعطائه أي شرعية مشاركة في السياسة والحكومة.

وبدا واضحا وجليا الفيتو السعودي على إعادة تكليف نجيب ميقاتي لأي حكومة تدير مرحلة الفراغ الرئاسي والذي يبدو أنه سيطول، خاصة أن حزب الله لن يستسلم إلا بتسمية شخصية ضامنة لوجوده وسلاحه، لذا فإن السعوديين سيعلنون "حربا" على أي شخصية سنية وازنة تود تولي رئاسة حكومة تعطي الحزب ما يريده، وانطلاقا من هذه النتيجة، باتت المرحلة المقبلة في لبنان رهن مجموعة من التكهنات، وهي حول مدى قبول حزب الله شروطَ للفريق المعارض له، إذا توحدت جهوده وجرى تنسيقها مع المستقلين ومن يسمون السياديين، وهي بطبيعة الحال ستسمح بتحقيق نقاط متقدمة عليه.

وخصوصاً أن الحزب إياه ما زال يملك في يده ورقة الميثاقية التمثيلية للشيعة في البلاد، وهناك سؤال وجودي عنوانه الرئيس هل سيحصر حزب الله معركته مع الأطراف ضمن حدود المجلس النيابي وفي ظل عدم امتلاك أي فريق ثلثي المجلس، أم أن شكل المجلس الحالي سينتج فراغات في المؤسسات تؤدي بدورها إلى البحث في ما هو أبعد من الاستحقاقات الدستورية، وصولا إلى تركيبة النظام اللبناني في ظل مساعي ماكرون وفريقه لتركيب طاولة حوار لبناني، والفرنسيون سيعكفون عقب الانتهاء من الانتخابات البرلمانية الفرنسية بعد أقل من شهر على العمل على تسريع طرح مبادرة لحل الأزمة في لبنان. وهي تنسق مع الإدارات الأميركية والمصرية والقطرية في جدول أعمال حراكها اللبناني.

فلننتظر!