فان غوخ.. كيف رسَم الفنان نفسه
تعدّدت الدراسات حول البورتريهات الذاتية التي رسمها فان غوخ في أكثر من خمس وثلاثين لوحة، والتي طبعت صورة ربما هي الأشهر لرسّام في تاريخ الفن، حيث شعره الأحمر وعيناه الخضراوان وزوايا وجهه الحاد، ورغم ذلك يبدو الوجه مختلفاً بين لوحة وأخرى.
رسم غوغ أكثر من خمسة وعشرين بورتريهاً خلال وجوده في باريس بين عاميْ 1886 و1888، حيث كان يعاني شحّ المال في تلك الفترة، لذلك اختار لمواجهة أزماته المادية والنفسية وشعوره المعمّق بالعزلة أن يرسم نفسه بنفسه في حالات من الإنهاك العقلي والجسدي، وقد وصف نفسه في واحد منها بأنه "غير مهذب وحزين تماماً"، وفي آخر بأنه "وجه الموت".
يُفتتح مساء الخميس، الثالث من الشهر المقبل، معرض "فان غوخ: بورتريهات ذاتية" في "غاليري كورتولد" بلندن، ويتواصل حتى الثامن من أيار/ مايو المقبل، ويضمّ حوالي نصف ما رسمه الفنان الهولندي (1853 - 1890) في حياته القصيرة.
في مقدّمة الأعمال المعروضة بورتريه يظهره بضمادة تلف أذنه، والذي رسمه عام 1889، بعد مهاجمته لبول غوغان، حيث قطع شحمة أذنه، وفيها سعى إلى رسم نفسه وكلّ ما يحيط به من دون تجميل، ونقل الحياة بالطريقة التي رآها وتصورها، وكذلك مشاعره وحالته الذهنية بصدق وواقعية.
يستند غوخ في اللوحة إلى جدار أخضر فاتح كما يبرز خلفه نقش ياباني، وهو عنصر يحيل إلى اهتمامه بعد عام 1887 بالرسوم والرموز الشرقية، حيث يقدّم على شراء قرابة ستمئة رسم ياباني ملوّن مطبوع على الخشب بغرض الاتجار بها، ليتمكّن من الاستقلال مادياً عن أخيه ثيو الذي ظلّ ينفق عليه طوال حياته من إيرادات قاعة عرض الفنون التي كان يمتلكها.
وعاد الفنان إلى رسم هذا المشهد في لوحة ثانية نفّذها في السنة الأخيرة من عمره، في حالة من الارتباك التام، حيث ستشكّل أول سلسلة من الانهيارات الذهنية، وكان متردداً في مناقشة الحادثة في رسائله مع شقيقه، لكن غوخ لم يصوّر نفسه على أنه رجل مريض ومنكسر من أجل التأثير أو لإثارة الشفقة، بل كان مقتنعاً أن الرسم سيساعده على الشفاء، كما كتب أيضاً، وتبقى هذه المسألة مثار جدل بين النقّاد والباحثين.
يشير بيان المنظّمين إلى أن العديد من الفنانين استلهموا من أسلوب غوخ في رسم بورتريهاته الذاتية، حيث جرت إعادة إنتاجها لعدد لا حصر له من المرات منذ أوائل القرن العشرين، وارتبطت بعض المفردات مثل اللون الأصفر والقبعة والشمس به كما لم ترتبط بفنان غيره.
