الإسرائيليون أيضاً يقعون في شباك "إن إس أو"

الإسرائيليون أيضاً يقعون في شباك "إن إس أو"

22 يناير 2022
أقرت الشرطة الإسرائيلية باستخدام "بيغاسوس" عشرات المرات (جاك غويز/فرانس برس)
+ الخط -

تتواصل في إسرائيل تداعيات "الفضيحة" التي كشفت عنها هذا الأسبوع صحيفة "كالكليست" للشؤون الاقتصادية، عندما نشرت تحقيقاً أظهر أن الشرطة الإسرائيلية استعانت في السنوات الأخيرة بخدمات برنامج التجسس الهجومي "بيغاسوس"، الذي طورته شركة السايبر "إن إس أو" (NSO)، للتجسس على مواطنين إسرائيليين.

وجاء ذلك الاستخدام بحثاً عما يمكن أن يدينهم بمخالفات جنائية لا علاقة لها، للوهلة الأولى، بقضايا الأمن. وتتعلق بفساد في إدارة شؤون السلطات المحلية، لاثنين على الأقل من رؤساء بلديات، كانت الشرطة تبحث عن أدلة على تورطهم بفساد إداري، وأخرى بنشاطات مختلفة لعناصر جنائية مشبوهة بارتكاب جرائم خطيرة.

تجاوب القضاء مع طلبات الشرطة الإسرائيلية للتنصت

وكان أبرز ما أثاره التقرير، من وجهة نظر الإسرائيليين، حقيقة تجاوب جهاز القضاء الإسرائيلي مع طلبات الشرطة لتنفيذ تنصت على هواتف من تشتبه فيهم بارتكاب مخالفات جنائية، من دون أن توضح حقيقة ونوعية وسائل التنصت، وهل هي تخضع للقانون الإسرائيلي ويقرها أم لا؟

تجاوب جهاز القضاء مع طلبات الشرطة لتنفيذ تنصت على هواتف من تشتبه فيهم بارتكاب مخالفات جنائية

وهذا ما عزز لدى كتّاب وسياسيين الاعتقاد بأن الشرطة الإسرائيلية لم تعد تأبه بالقانون ولا تحترمه، بل هي من تقوم بخرق كل ما يتعلق بقانون التنصت السري، على الهواتف والاتصالات للمشبوهين.

لكن أيضاً عزز الاعتقاد بالخضوع والاستسلام الفوري من جهاز القضاء لطلبات الشرطة، والتصرف حيالها، كما يتصرف الجهاز القضائي في كل ما يتعلق بقمع حرية الفلسطينيين، سواء في الداخل، أو في الأراضي المحتلة عام 1967، لكن تحت بند "حماية أمن الدولة".

الشرطة لم تبلغ الجهات المسؤولة عن شرائها "بيغاسوس"

وأوضح التقرير أن الشرطة الإسرائيلية كانت قد اشترت برنامج التجسس الهجومي "بيغاسوس" منذ عام 2013، ولم تهتم بإبلاغ الجهات المسؤولة عن توفر البرنامج لديها، وإن كانت بدأت بالاستعانة به بعد ذلك بسنوات، عند تعيين روني الشيخ، الذي شغل منصباً رفيع المستوى في جهاز المخابرات العامة "الشاباك" عام 2015.

وهذا ما يعزز الاعتقاد بأن خلفيته الأمنية، واستخدام جهاز "الشاباك" لأساليب التنصت والتجسس، سوية مع شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش، ومثل هذه الأدوات التي كانت طورت أصلاً في الوحدة 8200 في الجيش، قبل أن يسمح لخريجي الوحدة الانطلاق في سوق السايبر الإسرائيلي والعالمي في القطاع الخاص، كانت ترسخت في عقلية القائد الجديد للشرطة.

وسمح الشيخ باستخدام أدوات التجسس الهجومية، المتمثلة بـ"بيغاسوس"، بالركون إلى ضعف الجهاز القضائي في القبول بكل طلبات الشرطة والجيش والمخابرات العامة "الشاباك"، بما يتعلق بسرية مصادر الحصول على معلومات.

وبهذا فإن القضية شكّلت عملياً دليلاً على محو الفوارق في عمل الشرطة الإسرائيلية، بين متطلبات العمل المدني وحدوده وبين طابع الأجهزة السلطوية، بما فيها الشرطة، في دوس حقوق الفرد وحريته.

وأثار الكشف عن القضية بداية إرباكاً في صفوف الشرطة الإسرائيلية، ووزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، عومر بارليف، الذي أعلن بداية أنه طلب فحص الموضوع، وأنه قلق من تجاوزات يمكن أن تكون الشرطة ارتكبتها في هذا الباب. 

لكن الشرطة عادت لاحقاً، وأعلنت، الثلاثاء الماضي، رفضها المعطيات التي كشف عنها التحقيق، مدعية أن كثيراً مما جاء فيه غير دقيق وغير صحيح، وأنها ستفحص كل حالة على انفراد، في حال تبين أن هناك مخالفات تمت فعلياً.

تجنيد الشرطة الإسرائيلية لهاكرز

ولم تكد تخبو نيران هذه القضية، حتى عادت لتزيدها صحيفة "يديعوت أحرونوت"، بعد الكشف عن الفضيحة، الثلاثاء الماضي، أن الشرطة لم تكتف باستخدام برنامج "بيغاسوس"، بل جندت في صفوف وحدة السايبر أيضاً ثلاثة من "قراصنة الكمبيوتر" (هاكرز) في إسرائيل، لاختراق حواسيب واتصالات مشبوهين من طرفها بارتكاب مخالفات جنائية.

وأشارت التقارير الصحافية، على مر أيام الأسبوع، إلى أن الشرطة وقادتها كانوا يمنحون محققي وخبراء وحدة السايبر صلاحيات واسعة. 

يأتي ذلك على اعتبار أن قسمهم كان يأتي بمعلومات "ذهبية"، حتى عندما كانت يتضح أنه لا يمكن استخدامها في بناء "لوائح الاتهام"، لأنه تم تحصيلها بعيداً عن ضوابط القانون الجنائي وأصول استصدار أمر قضائي من المحكمة، أو حتى عندما كان يتم "تضليل" القضاة في استصدار هذه الأذون، من خلال عدم توضيح حقيقة اللجوء لبرنامج "بيغاسوس"، المحظور رسمياً استخدامه، بحسب شروط وزارة الأمن للشركة المنتجة له، في إسرائيل.

جندت الشرطة ثلاثة من "قراصنة الكمبيوتر" لاختراق حواسيب واتصالات مشبوهين بارتكاب مخالفات جنائية

وعلى الرغم من كل هذه المحاذير، إلا أن الشرطة أقرت، الخميس الماضي، بحسب "هآرتس"، أن فحصاً داخلياً بيّن أن الشرطة استخدمت البرنامج المذكور عشرات المرات في العام الماضي.

وهو ما يعزز صحة الادعاءات التي وردت في التحقيق الأولي الذي نشرته صحيفة "كالكليست" الثلاثاء، وأشار أيضاً إلى أن الشرطة استخدمت البرنامج المذكور ضد نشطاء سياسيين، وليس فقط مشبوهين بنشاط جنائي، كما هو الحال عندما اخترقت هواتف نشطاء في حركة الاحتجاج ضد رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو المعروفة باسم "الرايات السوداء".

وشكل هذا الكشف نافذة لليمين الإسرائيلي بالادعاء أن أدوات مشابهة استخدمت أيضاً ضد "زعران" المستوطنين، الذين يطلق عليهم في إسرائيل اسم "فتيان التلال"، بحسب ما كتب الصحافي اليميني المتطرف، عميت سيغل، في تعليقه الأسبوعي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أمس الجمعة. 

مع ذلك، قالت الصحيفة إن المفتش العام الحالي للشرطة كوبي شبتاي ادعى، في تعقيبه على التحقيق، أن "الشرطة لا تستخدم قدراتها التكنولوجية المتطورة ضد مواطنين ومتظاهرين أبرياء".

لكن ردود الفعل في الساحة السياسية، سواء بين أنصار نتنياهو، الذين يبحثون عن مبرر لتأكيد زعمهم أن ملفات التحقيق ضد نتنياهو ولوائح الاتهام هي مؤامرة، وبين أنصار اليسار الذي يعتبر نفسه ليبرالياً، تؤكد عملياً ارتفاع حالة عدم ثقة الجمهور الإسرائيلي بالشرطة وبـ"الوسائل التكنولوجية" المتطورة التي تستخدمها، وتزيد من الشكوك بفقدانهم للخصوصية الذاتية، وصحة ادعاءات ومخرجات تحقيقات الشرطة.