برقة الفلسطينية... مقاومة للاحتلال والمستوطنين رغم المعاناة

برقة الفلسطينية... مقاومة للاحتلال والمستوطنين رغم المعاناة

21 يناير 2022
دفع الأهالي ثمناً باهظاً لمقاومتهم المستوطنين (العربي الجديد)
+ الخط -

ما بين ليلة وضحاها، عادت قرية برقة شمال غرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة إلى الواجهة من جديد، وتصدرت المشهد المقاوم الذي لم يغب عن القرية طويلاً في التصدي لقوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، على الرغم مما يعانيه الأهالي من حصار فرض على قريتهم منذ السابع والعشرين من الشهر الماضي.

مواجهة 
جاء حصار برقة بعدما نفذ مستوطنون هجمات ضد الأهالي بحماية قوات الاحتلال، بعدما تمكن مقاومون فلسطينيون، في السادس عشر من الشهر الماضي، من قتل مستوطن وإصابة آخرين كانوا في سيارة خرجت من مستوطنة "حومش" التي أخلتها سلطات الاحتلال من المستوطنين عام 2005، بالتزامن مع الانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة.
ومنذ ذلك الوقت، تواجه برقة وبكل بسالة هجمات مزدوجة من قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين على حد سواء، أسفرت عن إصابة نحو 400 فلسطيني بجروح متفاوتة برصاص جنود الاحتلال وقنابله الغازية السامة، والاعتداء على أكثر من ثلاثين منزلاً تقع في محيط جبل "القبيبات" الذي أقيمت عليه المستوطنة المخلاة، وذلك من خلال اقتحام تلك البيوت وتكسير نوافذها بعد رشقها بالحجارة من عصابات شكلها المستوطنون المتطرفون.
الأحداث التي تشهدها القرية منذ أكثر من شهر، وهي القرية التي تقع على الشارع الرئيسي الذي يصل بين مدينتي نابلس وجنين شمالي الضفة الغربية، ويسكنها نحو خمسة آلاف نسمة، عادت بذاكرة ابن برقة الناشط السياسي سامي دغلس (62 عاماً) إلى الوراء أكثر من 34 عاماً، حين كان في عز شبابه، واشترك مع مجموعة كبيرة من أبناء القرية في الثلاثين من مارس/ آذار عام 1988 وبعد 4 أشهر فقط على اندلاع الانتفاضة الأولى، في إعلان برقة دولة مستقلة.
ويقول دغلس لـ "العربي الجديد": "ما أشبه اليوم بالبارحة. عندما أنظر إلى الشبان وهم يضعون اللثام على وجوههم، ويتصدون لجنود الاحتلال المدججين بالسلاح بصدورهم العارية، ولا يأبهون لإطلاق النار والقنابل تجاههم، أدرك أننا  توارثنا رسالة المقاومة جيلاً بعد جيل، وأن برقة عصية على الكسر".

الصورة
يرقة الفلسطينية (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

أطماع المستوطنين
ويفتخر البرقاويون بأنهم كانوا من أوائل المنضمّين للثورة الفلسطينية. وقدّمت القرية أول شهيد من أبنائها عام 1929، وكان لها دور في مواجهة العصابات الصهيونية المدعومة من قوات الانتداب البريطاني، في مواجهة عرفت بـ "معركة برقة" بقيادة الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد، رفيق الشهيد عز الدين القسام. ومع احتلال الضفة الغربية عام 1967، انخرط أبناؤها في المقاومة، فانتقم الاحتلال منها بهدم أحد منازلها آنذاك.
ويقول الناشط في حفظ التراث الفلسطيني حمزة ديرية، إنّ جبل القبيبات الذي تدور عليه المعركة في برقة بين الأهالي والمستوطنين منذ عام 1978 وحتى اليوم، عليه مقام لـ "أسيادنا رجال الظهرة والمقام كان منارة ومحطة للجنود في العهد المملوكي"، لافتاً إلى أن الأهالي يطلقون عليه أيضاً اسم "منظمة الظهور".
وكان يقام حول المقام في جبل القبيبات موسم شعبي في شهر رجب من كل عام، يهرع إليه الأهالي بين قرى نابلس وجنين.
موقع القرية الاستراتيجي وتحديداً "جبل القبيبات"، الذي يطل من ارتفاع 680 متراً عن مستوى سطح البحر على عدد من القرى والبلدات الفلسطينية التابعة لثلاث محافظات فلسطينية، هي: نابلس، وجنين، وطولكرم، جعله محط أنظار المستوطنين الذين استغلوا استيلاء جيش الاحتلال عليه عام 1978 لإقامة مستوطنة "حومش" فوقه مطلع ثمانينيات القرن الماضي، إلى حين إخلاء المستوطنة عام 2005.

الصورة
يرقة الفلسطينية (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

ويقول دغلس: "دفعنا ثمناً باهظاً في مقاومة المستوطنين وجيش الاحتلال الذي يحميهم. هناك قائمة طويلة من الشهداء والأسرى والجرحى، الذين تصدوا لمستوطني حومش. وهذا ما دفع حكومة الاحتلال بقيادة أرييل شارون إلى اتخاذ قرار عام 2005 بإخلائها بالتزامن مع الانسحاب من قطاع غزة. لكن ما حدث أن المستوطنين غادروا المكان، ومنعنا نحن أصحاب الأرض الأصليين من العودة إليها".

معارك قانونية 
خاض أهالي برقة معارك قانونية طويلة حتى انتزعوا عام 2013 قراراً من المحكمة العليا الإسرائيلية باستعادة نحو 1200 دونم من أراضيهم الزراعية، من دون أن يدركوا حينها أن القرار لن يكون أكثر من "حبر على ورق". ورفض المستوطنون الذين كانوا قد أقاموا مدرسة دينية أسموها "شوماس" في موقع المستوطنة المخلاة عام 2009، وهو ما ترافق مع شنهم لهجمات على المزارعين الفلسطينيين ومنعهم من استصلاح أراضيهم، كما جرى على سبيل المثال لا الحصر مع أمين سر حركة فتح في برقة شادي أبو عمر.

وتعرض مع مجموعة من الشبان قبل نحو شهرين لهجوم مباغت من عدد كبير من المستوطنين الذين كانوا يحملون العصي والقضبان الحديدية، فأصيب بكسر في يديه وجرح غائر في رأسه. ويقول أبو عمر لـ "العربي الجديد": "هذه أرضنا، لن يعودوا إليها إلا على جثثنا، نحن نعلم أنهم استغلوا حادثة مقتل أحدهم يوم 16 ديسمبر/ كانون الأول الماضي عند مدخل المستوطنة لتنظيم صفوفهم والعودة إلى المستوطنة المخلاة، عبر تشكيل تجمع أطلقوا عليه اسم مجموعة العودة لحومش، يضم أعضاء في الكنيست الإسرائيلي وحاخامات، وهم يخططون ونحن أيضاً نخطط، إذ لدينا مقاومة شعبية ذكية ومنظمة هدفها أولاً منعهم من الوصول إلى قمة الجبل، وثانياً توفير حماية للمنازل الواقعة على أطراف القرية القريبة من القمة".

الصورة
يرقة الفلسطينية (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

وعن النقطة الثانية، يقول أبو عمر: "عدد سكان القرية يزداد بشكل مطرد، الأمر الذي يدفع البعض لتشييد منازلهم قريباً من الجبل، ونخشى أن نكون أمام عائلة دوابشة بنسختها البرقاوية، في حال غفلنا عن حمايتهم". وكان ثلاثة من أبناء عائلة دوابشة التي تقطن قرية دوما جنوب نابلس قد قضوا حرقاً على يد مجموعة من المستوطنين عام 2015.

تقارير عربية
التحديثات الحية

ويفخر أبو عمر أن برقة تعد نموذجاً في الوحدة رغم الخلاف السياسي القائم. ويقول: "في مواجهة الاحتلال والمستوطنين لا يوجد لدينا تقسيم حزبي. شكلنا غرفة عمليات ومتابعة مشتركة للفعاليات تضم الجميع وهذا سر النجاح". يضيف: "عندما تنادي مكبرات الصوت في مساجد القرية، فإنك ترى الجميع في الميدان يتعاونون للتصدي للاحتلال في صورة قل نظيرها مؤخراً".

المساهمون