بيترو بوروشينكو تحت مقصلة القضاء الأوكراني

بيترو بوروشينكو تحت مقصلة القضاء الأوكراني

19 يناير 2022
بيترو بوروشينكو وسط أنصاره في كييف يوم الأحد (فولوديمير تاراسوف/Getty)
+ الخط -

قد تكون أوكرانيا الدولة الأكثر ضجيجاً من بين كل دول الاتحاد السوفييتي السابق، فكل رؤسائها الستة منذ الاستقلال عن السوفييت في عام 1991، شهدوا أو يشهدون مشاكل عدة، في القضاء وخارجه، بدءاً من الرئيس الأول ليونيد كرافتشوك، وصولاً إلى الرئيس الحالي، فولوديمير زيلينسكي.

غير أن مسألة الرئيس السابق، بيترو بوروشينكو، تخطت كل الخطوط "التقليدية" في ملفات الفساد، بعد اتهامه في القضاء الأوكراني بتمويله الانفصاليين في الشرق، المدعومين من روسيا، الذين يقاتلون الحكومة الشرعية منذ ربيع 2014، في حرب أودت بحياة أكثر من 13 ألف شخص.

بيتروبوروشينكو و"الخيانة العظمى"

واتخذ مصير بيترو بوروشينكو مساراً مختلفاً، أول من أمس الإثنين، مع طلب مكتب المدعي العام الأوكراني توقيفه بتهمة "الخيانة العظمى"، أو فرض كفالة مقابل إبقائه حراً مقدارها نحو 30 مليون يورو (35 مليون دولار). 
وبعد جلسة استماع استمرت يوماً كاملاً، غداة وصول بوروشينكو إلى أوكرانيا آتياً من بولندا يوم الأحد الماضي، أعلن القاضي المكلف بالقضية، أوليكسي سوكولوف، في وقت متأخر مساء أول من أمس الإثنين، أنه سيعلن قراره النهائي اليوم الأربعاء. ويواجه الرئيس السابق عقوبة تصل إلى السجن 15 عاماً.


يواجه الرئيس السابق عقوبة تصل إلى السجن 15 عاماً

وكان بوروشينكو، المعارض لزيلينسكي، قد عاد إلى أوكرانيا بعد شهر من الغياب، على الرغم من التهديد بتوقيفه. وبعدما ألقى خطاباً مقتضباً أمام آلاف من أنصاره الذين تجمعوا أمام المطار، توجه للمثول أمام محكمة في كييف.

وخلال الجلسة، طلب ممثل النيابة العامة كفالة مقدارها مليار هريفنيا (نحو 35 مليون دولار) وكذلك وضع سوار إلكتروني للرئيس السابق مقابل عدم احتجازه، وإلا سيودع السجن. ورد الرئيس السابق بالتحدث عن "محاكمة موجزة".

وقال لممثل النيابة العامة فيما تظاهر آلاف من أنصاره أمام المحكمة لدعمه: "كل كلمة قلتها للتو هي جريمة". ومثل الرئيس السابق أمام المحكمة إلى جانب محاميه وعدد من النواب، متهماً السلطات بالقيام بعمل موسكو عبر ملاحقته. وقال إن "العدو على الأبواب ويريد أن يهزمنا ويمزّق بلدنا زارعاً الفتنة".

واتهم بوروشينكو، زيلينسكي بأنه هو من أمر بإجراءات الدعوى المقامة عليه "لصرف الانتباه" عن المشكلات التي تواجهها البلاد. ويعتبر بوروشينكو، وهو أحد أثرى أثرياء أوكرانيا، المنافس الأول للرئيس الحالي.

وتشتبه السلطات بأنه أقام خلال فترة رئاسته علاقات تجارية مع الانفصاليين الموالين لروسيا شرق البلاد، ما يشكل فعل "خيانة عظمى". وقال السناتور الأميركي كريس مورفي الذي يزور كييف مع وفد من الكونغرس، إنه واثق من أن بوروشينكو "سيحصل على محاكمة عادلة" خلال لقاء مع وسائل إعلام أجنبية، مضيفاً أن لديه "مخاوف" من محاكمة "معارضين سياسيين" في أوكرانيا.

وقاد بوروشينكو الذي تقدّر مجلة فوربز ثروته بـ1.6 مليار دولار، البلاد بين عامي 2014 و2019، قبل أن يهزمه زيلينسكي. وورد اسم الرئيس السابق والنائب الحالي في عشرات القضايا القضائية.

ويرفض بوروشينكو كل الاتهامات الموجهة إليه. وفي مطلع يناير/كانون الثاني الحالي، أمرت محكمة في كييف بتجميد أصول الرئيس السابق، الذي يملك خصوصاً شركة حلويات كبيرة اسمها "روشن"، وقناتين تلفزيونيتين. واتهمه المحققون بالعمل مع الرجل الثري المؤيد لروسيا، فيكتور ميدفيدتشوك، المقرّب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لتسهيل شراء الفحم لشركات واقعة في شرق أوكرانيا، الخاضع للانفصاليين.

خشية من الغزو الروسي لأوكرانيا

وتأتي عودة بوروشينكو في وقت تخشى أوكرانيا غزواً من روسيا التي حشدت قبل أشهر قوات ومدرعات عند حدودها. وتنفي موسكو أي خطط لشن هجوم عسكري، لكنها تطالب الأميركيين والأوروبيين، بالتعهد بعدم قبول أوكرانيا في حلف الأطلسي، وهو مطلب مرفوض حتى الآن.
 
في وقت أعلنت فيه الولايات المتحدة، حليفة أوكرانيا الأساسية في مواجهة روسيا، أنها "تتابع عن كثب" ملف بيترو بوروشينكو. ولا يمكن عملياً إبعاد ملف بوروشينكو حالياً عن الانتخابات الرئاسية المقررة في ربيع 2024، خصوصاً أن استطلاعات الرأي الأخيرة تفيد بتصدّر الرئيس السابق وزيلينسكي نوايا التصويت.
 
كما أن تزايد احتمالات غزو روسيا لأوكرانيا، يضع الوحدة الأوكرانية على المحك، على اعتبار أن هروب الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش، في شتاء 2014 إلى روسيا، لا يوازي قضية بوروشينكو حالياً. يانوكوفيتش ينتمي إلى الأقلية الروسية في أوكرانيا، وكان رجل بوتين الأول بعد الثورة البرتقالية في كييف شتاء 2004 ـ 2005، وتمكن بعد انتخابه في عام 2010، من تفكيك المعارضة البرتقالية في موازاة انفتاحه على الاتحاد الأوروبي، ساعياً إلى طمأنة أنصار الغرب.
 
لكن تأخر يانوكوفيتش في توقيع اتفاقية شراكة مع الأوروبيين، بضغطٍ روسي، أدى إلى نشوب الثورة الأوكرانية في شتاء 2014، وهروب الرئيس.


يمهّد زيلينسكي للبقاء في السلطة عبر إزاحة خصومه

كان واضحاً في البداية أن بيترو بوروشينكو كان خياراً غربياً، ومواجهاً للانفصاليين، لكنه فشل في وضع حدِ لهم، ومن خلفهم روسيا، بعد سقوط إقليمي دونيتسك ولوغانسك في الشرق بيد الانفصاليين، وضمّ الروس لشبه جزيرة القرم الأوكرانية.

كما فشل بوروشينكو في التموضع بقوة في اتفاقي "مينسك 1" في 5 سبتمبر/أيلول 2014، و"مينسك 2" في 12 فبراير/شباط 2015، بل ظلّت روسيا متفوقة. بالتالي، فإن تأكيد تمويله الانفصاليين في الشرق، سيؤدي حكماً إلى سقوط صورته الشعبية، وإزاحته عن الانتخابات الرئاسية المقبلة، فضلاً عن وضعه وراء القضبان.

في المقابل، فإن زيلينسكي الساعي للحفاظ على موقعه رئيساً لولاية ثانية، يمكنه الاعتداد بحصوله على دعمٍ أميركي وأوروبي وتركي وإسرائيلي، سياسياً وعسكرياً، في الفترة الماضية.

كما اتخذ خطوات داخلية عدة، لجهة حجب عدة مواقع إخبارية روسية في الصيف الماضي، ولممارسته أسلوباً دبلوماسياً مرناً، سواء عبر إبداء استعداده للاجتماع مع بوتين، بشكل ثنائي أو بمشاركة الرئيس الأميركي جو بايدن، أو لجهة استعداده للقتال من أجل استعادة الشرق والقرم.

ويمكن لزيلينسكي أيضاً "التفاخر" بأنه وضع الأزمة الأوكرانية في أعلى مستوياتها، قياساً بخلفه، وتحديداً لجهة إعراب الأميركيين والأطلسي مراراً عن دعم أوكرانيا. ووصل الأمر إلى حد عقد الروس والغرب ثلاثة اجتماعات الأسبوع الماضي، تمحورت حول العلاقة بينهما، انطلاقاً من الأزمة الأوكرانية.

ومن الطبيعي أن زيلينسكي، الواثق بقدرته على البقاء على رأس السلطة في كييف، باشر عملية توحيد الصفوف خلفه، بدءاً من إزاحة أقرب الخصوم، بناء على مخالفاتهم، وتمهيداً لبروز موقف أوكراني موحّد إزاء أي خطوة مستقبلية متعلقة بالخلاف مع روسيا. وبوروشينكو كان أول الضحايا.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)

المساهمون