عمر بوركبة.. ما وراء بول إيلوار

عمر بوركبة.. ما وراء بول إيلوار

05 ديسمبر 2021
(مقطع من عمل للفنان عمر بوركبة، من المعرض)
+ الخط -

في منتصف الستينيات، أقام عمر بوركبة معرضه الأوّل الذي أبرز أسلوبه الخاص في التعامل مع التكوينات المجرّدة للحرف والزخرفة الإسلامية ضمن صيغ تعبيرية تعكس خلفيته الأكاديمية، حيث تلقّى التعليم الديني في مدينته مراكش، وكذلك قراءاته المكثّقة في التصوّف والفلسفة الإسلامية، واشتباكها مع الفن وتأويلاته.

تأثّر الفنان التشكيلي المغربي (1945)، بتجارب عدد من الروّاد في بلاده مثل الفنانِين الراحلِين الجيلالي الغرباوي (1930 – 1971)، وأحمد اليعقوبي (1928 – 1985)، والمكّي مورسيا (1934-1984) الذين استعادوا التراث المغربي ــ بعلاماته ورموزه ــ فضاءً أساسياً للوحتهم المعاصرة، في إصرار على الاستقلال عن الإرث الكولونيالي الذي نظر إلى الفنون الشعبية من زاوية استشراقية.

الصورة
(من المعرض)
(من المعرض)

يواصل بوركبة في معرضه "طين أثيري"، الذي افتُتح الخميس الماضي في "غاليري سو آرت" بمدينة الدار البيضاء ويتواصل حتى الثامن من الشهر المقبل، المزاوجة بين الشعر والتشكيل من خلال الاشتغال على قصائد الشاعر الفرنسي بول إيلوار.

ويتضمّن المعرض أعمالاً يدمج فيها التشخيص بالتجريد، حيث نُفّذ معظمُها خلال العامين الأخيرين مع انتشار جائجة كورونا، التي تركت لديه أثراً بالغاً بعد أن رحلت زوجته مصابة بالفيروس، ما دفعه لاستعمال ألوان زاهية تبعث على الأمل لم يستخدمها سابقاً.

يشكّل الماء والنار، بتأويلاتهما الصوفية، ثيمتين أساسيتين لدى بوركبة، فالأول يشير إلى بدء الخلق والطهارة، والثاني يحيل إلى مفهوم العذاب الأبدي، وهما منتشران في كلّ مكان. كما تظهر عناصر أخرى في اللوحة، منها اسكتشات الوجوه وغبار النجوم وذرّات الذهب في تناغم بين الأبيض والأورق والأسود.

الصورة
(من المعرض)
(من المعرض)

ولا يعكس السواد الذي يطغى على لوحاته التشاؤمَ أو الحزن، بحسب تقديم المعرض، إنّما يبطن الجلال وروح الغيب الذي يعيشه الإنسان، بينما استمّد الفنان عنوان معرضه من كون الطين هو أصل الأشياء وأثيريته توحي بما يُنفخ فيه من حياة فيتشكّل الإنسان.

ويعتمد بوركبة أسلوباً يكثّف من خلاله القلق والغموض في لوحته، سواء في استعمال الألوان الداكنة التي تتداخل فيها دوائر وأنصاف دوائر وخطوط متموّجة، أو في لجوئه مؤخّراً إلى ألوان أكثر تفتّحاً حيث تنساب المساحات اللونية في دينامية معبّرة عن التقلّب والالتباس في دواخل الإنسان، بل تبدو وكأنها تتماهى معها في حركتها وإيقاعاتها.

يُذكر أن عمر بوركبة بدأ حياته شاعراً ورسّاماً، لكنّه لم يتلقَّ تعليماً أكاديمياً في الفنون. أقام عدّة معارض في فرنسا والولايات المتحدة والدانمرك والعراق ومصر، وصدر كتابٌ حول تجربته التي تمتدّ لأكثر من خمسين عاماً بعنوان "عمر بوركبة: رسّام ما لا يوصف" (2018)، وقد تضمّن مقالات ودراسات حوله وقّعها عددٌ من النقّاد والفنانين والكتاب.
 

المساهمون